فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ٢٩ ـ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ...) كأوّل قيام وأولاه وأعلاه فانك (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) وأولى القائمين : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ ..) ـ (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ..) فقيامك هو الذي يقوّم الجماهير ويقيّمهم ..
(فَأَقِمْ .. مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) واقامة تجعلك أول القائمين ، ومن ثم الى الناس أجمعين ..
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ) ايها الإنسان السالك إلى ربك «للدين» الذي ارتضاه لك «حنيفا» : مائلا عن الضلالة إلى الاستقامة ، فانه الحنف خلاف الجنف ميلا عن الاستقامة إلى الضلالة ، «حنيفا» في نفسك وفي وجهك وفي إقامتها وفي الدين الذي تدين به ، فانها مربع الحنافة في هذه الإقامة البارعة ، ومن الدين الحنيف :
(فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) فالدين الحنيف الذي هو الغاية القصوى في هذه السفرة الإلهية ، هو التوحيد ، وأفضل ركوب في تلك الرحلة هو (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) لا أنها ـ فقط ـ الدين الحنيف ، لذلك (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) لا «إلى الدين» وانما إقامته «إلى» تنطلق من (فِطْرَتَ اللهِ).
وعلّ النصب في (فِطْرَتَ اللهِ) خلاف الجر في «للدين» للتدليل على أنها ليست هي ـ فقط ـ الدين حنيفا ، وإنما هي من الدين ومنطلقه الأوّل ، كآية أنفسية أولى ، ليست قبلها ولا معها أيّة آية أنفسية يبتدء السالك منها ، وينطلق عنها إلى الدين القيم الحنيف ، الشرعة الإلهية الكاملة ، والتوحيد الخالص الناصع.
فقد يعني نصبه نصبه المنصب الأوّل في إقامة الوجه للدين : أعني