الأفق الذي أنت فيه حيث تواجهها بعين مجردة أو مسلحة.
وقد يعني وجه الشيء أوّله لأنه في أوّل المواجهة ، كوجه لنار : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) (٣ : ٧٢).
وإذا كان الموجّه إليه أمرا معنويا كعلم أو عقيدة أو شرعة ودين فالوجه إليه هو المعنوي من المواجه ، وأحرى مصداق له هو الله (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (٣ : ١١٢) والعبد كله ، بظاهره وباطنه وجه لله حيث يواجهه بعلمه وقدرته ، ووجه إلى الله ، حيث يتجه اليه بكله ، بجسمه وروحه وعقله وصدره وقلبه ولبه وفؤاده.
إذا فللوجه وجوه حسب مختلف الوجوه ، فالوجه المقام (لِلدِّينِ حَنِيفاً) هو الإنسان ببعديه ، بظاهر الحواس الخمس ، وباطن المدركات الست روحا ككل ، وعقلا ثم صدرا ثم قلبا ثم لبا ثم فؤادا ، فانها المراتب المتدرجة المتفاضلة لادراكات الروح ومعتقداته واتجاهاته.
وهنا الفؤاد أعمق أعماق الروح المتكامل حيث يتفأد بنور المعرفة واليقين كما للرسول الصادق الأمين : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) (٥٣ : ١١ ـ ١٦).
هذه وجوه سبعة للإنسان يجب ان يقيمها (لِلدِّينِ حَنِيفاً) ابتداء ب (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها).
تجب إقامتها ، دون توجيهها غير مقامه ، حيث الروح الخامل ، والعقل المتكاسل ، والصدر الضيق الشاغل ، والقلب المقلوب القاحل ، واللّب او الفؤاد غير المتكامل ، لا توجّه للدين إلّا أن تبوء بخسار ، وكما الحسّ وهو الخطوة الأولى والبلد الأوّل من هذه الرحلة في بلاد العرفات ، لا يأتي بغير قيامه إلّا بالبوار.