الكون المادي ، نراه لا يزول حبه ولا يزال محبا كما كان ، وهذا يكشف عن واقع المحبوب وراء عالم المادة دون جدال ولا هوادة.
ولأن الكمال المطلق يقتضي كأصول صفاته الذاتية ، الحياة السرمدية ، والعلم غير المحدود المطلق عن كل حد وحدود ، والقدرة اللّامحدودة بحدود ، فهذه الثلاث ايضا محبوبة فطرية لأنها من لزامات الكمال المطلق ، كما ان الحياة السرمدية هي محط العلم والقدرة اللّانهائية.
ثم وكل واحدة منها محبوبة فطرية ذاتية ، فلا تجد من الناس أحدا إلّا ويحب هذه الثلاث حبا دائبا لا فتور فيه ولا فطور ، ولأنه لا يجدها في هذا الكون المحسوس المحدود ، وهو متأكد أنها مستحيلة الوجود له ولسواه من كائن محدود (٣٠) ومع ذلك لا تفتر فطرته في حبّها ذاتية ، فلتكن موجودة لمحبوبه الأول الكامل المطلق اللانهائي وهو الله تعالى شأنه.
حبّ عريق في الفطرة ، عميق مندغم في ذاتها دون فترة ، أولا يكشف عن وجود محبوبه ، ولو أخطأت الفطرة في هكذا حب عريق دائب ، فليعش الإنسان أيا كان حياته كله اخطاء واخطاء ، وليخطأ عقله على طول الخط ، ما دامت فطرته المعصومة عن الخطأ خاطئة في هكذا محبوب ، وبأحرى الأخطاء في حواسه وكل إدراكاته ما دامت فطرته وهي الأصيلة في كيانه ، والقاعدة الأصيلة في انسانيته ، هي خاطئة فيما تحبه ذاتية دون تبدّل ولا تبديل ، ولكن (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
ان العقلاء يرون عقولهم حجة مصيبة على أخطاءها ، وكذلك
__________________
(٣٠) وذلك لأن اللامحدود من وجود وكمالاته لا يحل في المحدود من جسم ، وهذا دليل فطري على انه تعالى مجرد عن المادة وخواصها.