فالشرعة تصوّب إجمال حكم الفطرة وتخطّئ البعض من أحكام العقل المتخلفة عن الفطرة ، وترشده على ضوء الفطرة إلى صراط مستقيم.
ومن حكم العقل استحالة التعدد في المطلق ، ولا سيما الذي لا حدّ له ، حيث التعدد بحاجة ماسة الى ميزة بين المتعددين ، هي الفصل المايز الفاصل بينهما ، وما يز الزمان والمكان والحدود المادية الأخرى مسلوب عن ذلك الكامل المطلق ، ومايزة الصفات ذاتية وفعلية مستحيلة في غير المحدودين ، فانها إما صفة كمال أو نقص ، والثاني يناقض كما له فضلا عن اللانهائي ، والكمال لكلّ دون الآخر يحكم بنقص الآخر فهما ـ إذا ـ ناقصان.
وكيف يمكن التعدد في المطلق اللّامحدود ، ولا يمكن في محدوده ، فمطلق الماء دون أية قيود وحدود وألوان ليس إلّا واحدا ، والماء في ذلك الإطلاق محدود في واقعه ، فالمطلق اللّامحدود مستحيل التعدد من بعدين اثنين.
وحكم ثالث تحكم فيه بالحياة الآخرة هو حب الحياة اللانهائية لنفسه ، وهذا يختلف عن حب الحياة السرمدية المستحيلة له ، حيث الفطرة تحب مطلق الكمال كما تحب الكمال المطلق ، والثاني منفصل عن ذاته ، مستحيل لذاته ، والأول محبوب لذاته في ذاته ومنه الحياة الأبدية ، ففي حين تعلم كلّ نفس انها ذائقة الموت ، ومع ذلك لا فتور في فطرته لحب الحياة الأبدية ، فلو كان موته فوته ، دون حياة بعده ، لكان محبوبه تخيّلا لا واقع له ، والحب الفطري المندغم في الذات يحيل عدم المحبوب ، ويفرض وجوده ، وإذ لا أبدية في الحياة الدنيا فلتكن بعدها وهي حياة الحساب.
ولئن سألت : إذا كانت الحياة محبوبة الذات فلما ذا ينتحر البعض رغم حب الحياة؟