قلنا : وذلك دليل آخر على حب الحياة ، فلا أحد يرجّح الموت على الحياة إلّا لحب الذات بحياة مريحة ، واما الحياة الهرجة المحرجة المريجة ، فلا يتصبّر عليها إلّا كل ذو حظ عظيم من معرفة الحياة بعد الممات ، ثم قليلو المعرفة ، والناكرون للحياة بعد الموت ، هؤلاء قد يفضّلون الموت على شقوة الحياة ، حبا لراحة الحياة وبغضا لشقوتها ، ثم وكافة المحاولات للإنسان تهدف الى حياة مريحة مستمرة كأطول ما يمكن ، فلا أحد ـ إذا ـ إلّا ويحب الحياة بأبديتها.
ومما يؤيد ذلك الحكم حكم الفطرة بحب استدامة الصيت والاسم بعد الموت ، فلو كان الموت فوتا لفترت الفطرة في حكمها او نفدت فيه ، ونحن نرى المعترف بالحياة بعد الموت والناكر لها يحبان ذلك الصيت كما يحبان الأبدية ، دون فتور لهذا الحب أو ذاك ، مع العلم بواقع الموت ، فلو لا الحياة بعد الموت ، فلا موقع لذلك الحب! ولا سيما لمنكر الحياة بعد الموت ، فما يفيده صيته وتردّد اسمه بخير على الألسن بعد موته إذا كان موته فوته ، فمن ذا الذي يحظو ببقاء اسمه لو لا حياته بعد موته؟
هذا حكم الفطرة ، وثم العقل يحكم بلزوم الحياة بعد الموت قضية علمه تعالى وعدله فليجازي المحسن والمسيء ، وإذ لا جزاء في الدنيا فليكن في الأخرى ، تداوما وتفصيلا لحكم الفطرة.
ثم الشرعة المعصومة فيها كل تفاصيل ذلك الحكم الفطري والعقلي ، مخطئة أخطاء العقل ، مقررة صوابه وحكم الفطرة.
وحكم رابع للفطرة وجوب احترام المحبوب الكامل الحاضر المقتدر العالم المنعم المنتقم ، وكل هذه السبع موجودة لله الواحد القهار لأعلى القمم ، ولا بد أن يحترم كما يشاء ويرضى ولا سبيل الى معرفة مشية ورضاه في كيف