ثم الإفراد في ريح العذاب قد يلمح بالعذاب ، كما الأكثرية الواردة في القرآن تعنيه ، بخلاف الجمع في رياح الرحمة فإنها لم تأت في عشرتها الكاملة إلّا للرحمة (٣٨).
وعلّ وجه الجمع في رياح الرحمة ، أنها خليطة من مختلف الرياح ، ام ريحا متكررا متواتر لكي يصلح لما يبشر به ، وريح العذاب أحياني ، وأما ريحا الرحمة فدائبة ، فهذه جمع يحلّق على كل زمان ومكان ، وذلك مفرد حيث لا يأتي إلّا الأحيان.
(فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ٥٢ وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) ٥٣.
«الموتى» هنا هم موتى القلوب فالصمّ الأسماع والعمي الأبصار ، حيث لا يعون ولا يسمعون ولا يبصرون (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ...) (٢ : ٧) وذلك ختم الجزاء يوم الدنيا دون الجزاء الختم فانه في الأخرى.
إن إسماع آيات الله ليس يؤثر إلّا في (مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) فإن سجيّته الايمان بها حين تواجهه ، وهو يتحرى عنها ، ولأقل تقدير لا يتجرأ عليها (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) لها ، مؤمنون بها.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ
__________________
(٣٨) في آيات عشر الرياح كلها للرحمة وفي (١٨) آية ريح أو ريحا لا تجد الا مرة يتيمة «وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ» (١٠ : ٢٢) ام وريح سليمان «وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ» (٢١ : ٨١) وهي ريح القوة وليست ريح الرحمة العامة.