تعالى وتوحيده وكمال ربوبيته (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) بكل ما للحق من معنى : ثبوتا ضروريا لا بدء له ولا ختام ، وثبوتا لكل شئون الألوهية والربوبية ، وثبوتا لكل استحقاقات واختصاصات المعبودية.
و «ذلك» الصغير الصغير ، الجافي الهزيل من كل دليل مما يدعون من دونه ، إنه هو الباطل بكل معاني البطلان كونا وكيانا (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ) فلا يسامى أو يساوى «الكبير» فلا يوازى.
فكل حق يملك من البرهان ما يحققه قدره ، وكل باطل هو صفر اليد عن أي برهان يثبته ، بل ويبطله ، ولأن الله هو الحق المطلق ، فحقّ للكائنات كلها ان تكون معسكر البراهين الدالة على حقه دون قصور ولا فتور.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) ٣١.
«نعمت الله» هي التي تجري بها الفلك على طول الخط ، من الرياح التي تجري السفن الشراعية ، ومن البترول والكهرباء وسائر الوسائل المكتشفة ، حيث الكلّ نعم الله ، والعلم الكاشف لها من نعمت الله (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) الدالة على حقه و «إن في ذلك» البعيد الغور (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
وعلّ الآيات هنا هي رقة الماء وخفة الفلك الثقيلة على الماء ، وسببية الرياح لجريانها فوق الماء ، وسائر الأسباب التي تكشف لكل صبار شكور ، ومن الآيات هي الفطرية البارزة (إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ ..).
ثم للصبر والشكر واجهتان ، صبر في البأساء وشكر في السرّاء وقد يعنيه قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الايمان نصفان نصف صبر ونصف شكر».