ثم صبر في التروك وشكر في الأفعال كما يعنيه قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «الصوم صبر والأفعال شكر» (١).
(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) ٣٢.
(وَإِذا غَشِيَهُمْ) هؤلاء الراكبين في الفلك مؤمنين ومشركين «موج كالظلل» وهي السحب السوداء الحاملة العذاب كما في (عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ـ (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) قضية نبوع الفطرة عند تقطع الأسباب (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ) كقلة قليلة «مقتصد» في دعوته ودعاءه ، باقيا على إخلاصه لله مهما قل أو كثر (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) كهذه الفطرية ، واضرابها من عقلية وعلمية وحسية أمّاهيه (إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ) : غدّار «كفور» : مليء بالكفر والكفران.
ف «منهم» هناك تلمح إلى قلة ، و «كل ختار» هنا إلى كثرة وكما هي طبيعة الحال في الناس وحتى في المؤمنين منهم ، مهما اختلف شرك عن شرك.
ويا للهول العظيم ـ وعوذا بالله العظيم ـ موج يغشاهم كالظلل بسرادقه المحيطة بهم من كل جانب ، وهم في الفلك كالريشة الحائرة في خضمّ البحر المائر ، مما يعرّي النفوس عن كل حالة مشركة خاترة غادرة حيث تقطعت الأسباب ، فيتجهون عنها إلى رب الأرباب.
هنا يفتح كتاب الفطرة شاءوا ام أبوا ، انفتاحا اتوماتيكيا كما فطرهم
__________________
(١) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ : ١٦٢ يرويهما عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم).