إن قولة الافتراء لا تملك برهانا إلّا عليها ، فانه دون ريب «هو الحق» كلّه «من ربك» الذي رباك ، فكما انك كرسول لست صنيع نفسك أو الآخرين ، كذلك ذلك الكتاب ليس صنيع أحد إلّا رب العالمين ، صنيعان اثنان هما صنوان يبرهن كلّ لزميله ، ويستدل به ككامل دليله ، فالسمة الربانية بارزة في القرآن ورسول القرآن ، لا يحتملان ولا يتحملان سمة خلقية أيا كان.
(هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) دون إبقاء لحق إلّا وهو فيه (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) حيث هم وآباءهم عائشون زمن الفترة الرسالية : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) (٣٦ : ٦) (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (٩ : ٩٧).
انهم قوم لدّ في أصلهم العربي وفصلهم عن المنذرين ، فإذا استطاع رسول القرآن ان ينذر به هؤلاء الألداء الأشقياء فهو بإنذار من دونهم أحرى وأقوى.
إذا فليس هو ـ فقط ـ من الحق ، بل هو الحق كلّه إذ بامكانه إنذار الألداء الذين لم يسبق لهم إنذار رسالي ولا رسولي ، حيث عاشوا تيه الضلالة والمتاهة في ردح بعيد من الزمن ماله مثيل طول الزمن الرسالي في بعد الفترة بعد الشقاوة الأصلية.
وفي الحق إن الحق كيانه الهدى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ، كلما ازداد الحق توسعا وعمقا ازدادت الهدى على ضوءه ، ولأن القرآن هو كتاب الخلود في هديه فليكن مستغرقا الحق كله :
حقا في طبيعته ومعناه ومغزاه ومرماه ، تطابقة حقة بين أجزاءه دونما اختلاف ، واخرى بينه كله وقضية الفطرة والعقلية الإنسانية وحاجات العالمين أجمعين.