المؤمنين بالله ، لتظهر علامة الإيمان صمودا وعلامة النفاق خمودا ، «ليحق الله الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين» أترى الآية مدنية لأن واقع النفاق كان في المدينة ، واما في مكة فايمان صارم حيث الجوّ كان جو الضيق والمحنة دون رجاء فيها لأمن وراحة فلما ذا ـ إذا ـ إيمان النفاق فيها؟ ولكن النفاق دركات ، منها ألّا يرتكن الايمان في القلب ، فيذبل عند الفتنة كما كانت في مكة أشد الفتن للمؤمنين ، دون المدينة التي أسست فيها دولة الإسلام.
أو ان الآية تشمل كل دركات النفاق مكية ومدنية أماهيه ، إذ لا تختص بمكان أو زمان خاص بل تحلّق على الطول التاريخي والعرض الجغرافي ، عرضا شاملا لكل (مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) سواء الذين قيل لهم : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أو الذين أسلموا كرها وطمعا فلما أوذوا في الله جعلوا فتنة الناس كعذاب الله بمختلف الوجوه التي أسلفناها ، والدرك الأسفل فيها أن فتنة الناس هي عذاب الله ، فهو يعذب الذين قالوا آمنا! ثم ولا تقف الفتنة عند حدّ الميز بين الايمان والنفاق ، بل والمؤمنون غير المنافقين ايضا يفتنون ، لتظهر درجات الايمان وتنبو وتربوا ، كما :
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ١٢ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) ١٣.
حين يئس الذين كفروا من ارتداد فريق من المؤمنين إذ يؤذون في الله ، احتالوا حيلة أخرى هي دعوى حمل خطاياهم : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) تركا لسبيل الايمان ، وليس ذلك خطأ ، وحتى لو كان خطأ يحمل خطايا عملية يخلفها ترك الايمان (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) نفرض على أنفسنا ان نحملها ، فأنتم أخفّاء ـ إذا ـ عن أثقالكم «و» الحال انهم (ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ