الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٣٠ : ٢٧) (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) (٥٣ : ٤٧) ، وذلك الإنشاء إنما هو إنشاء الصور ، والمواد هي كما هيه ، إنشاء للصورة الإنسانية مثل الأول لا عينه ، وإنشاء رجع الروح الى البدن في صورته المنشأة ، وإنشاء لليوم الآخر مكانا وزمانا آخرين يختلفان عن الأوّل.
كل ذلك ل (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سواء أكان كائنا فيقدر على تحويله أو
إعدامه ، ام قبل كونه وهو ممكن التكوين وصالحه كالمادة الأوّلية ، ام غير صالح التكوين فلا يكوّنه لأنه خلاف الحكمة ، واما الممتنع التكوين ذاتيا فليس شيئا حتى يبحث عن تعلق القدرة به وعدمه ، فانه اللّاشيء المطلق ، كما أن الله هو الشيء الطلق ، والأشياء الممكنة التكوين جوهريا ام ماهويا هي النسبية في الشيئية ، فقد تكون شيئا لأنها كائنة بما كونها ، واخرى لأنها قابلة التكوين كالمادة الأولى (١) ، وهنا (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) عطف للنظر العقلي الى بدء الخلق وهو أصعب من الإعادة ، والسير في الأرض ، وهي هنا أرض التكوين بمختلف الأبعاد الفيزيائية والكيماوية ، ينتج أن الكون له بداية ، ولا بد للبادئ كون خلاف كون المبدء ، لا والد له ولا علة غير إرادية أم محصورة ، بل هو خالق خلق الشيء الذي كل الأشياء منه ، لا من شيء ، لا من شيء ولا من لا شيء ، أجل وإن السير في الأرض هنا سير فطري وعقلي وعلمي وحسي ، يفتح العين والقلب على كيان الكون ، لفتة عميقة إلى حقيقة أنيقة دقيقة حقيقية للالتفات.
صحيح أن جل المخاطبين بهذا القرآن أو كلهم ـ سوى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهليه المعصومين عليهم السلام ـ لم يكونوا ليعرفوا
__________________
(١) تفصيل البحث عن القدرة مذكور في سورة الملك ج ٢٩ من الفرقان على ضوء آية القدرة.