«وقال» هنا بعد (فَأَنْجاهُ اللهُ) تلمح انها قالته لهم بعد نجاته : «إنما» ليس إلّا (اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) لا لأنها آلهة من دون الله ، ولا أنها شفعاءكم عند الله ، ولا أنها تنفعكم إذ تعبدون ، أو تضركم إذ لا تعبدون ، بل (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهي منصوبة مفعولا لها ، أم وبنزع الخافض بتقدير لام التعليل ، إذا ف (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) سبب وغاية مقصودة في اتخاذ الأوثان.
ثم «بنيكم» قد تعني كل بين في هذا البين : بينكم والأوثان ، وبينكم وآباءكم الأقدمين ، بينكم ورءوس الإشراك ، وبينكم التابعين ، حيث تودون الأوثان الذهبية والفضية أماهيه من الجواهر الثمينة وسواها ، وتودون آباءكم فتقلدونهم في ذلك الاتخاذ ، وتودون زعماءكم فتتبعونهم فيه ، وتودون بعضكم بعضا وأوثانكم هي صلة المودة والوحدة ، وكل ذلك «مودة الحياة الدنيا» فلا اعتقاد هنا ولا اقتناع ، وإنما مجاملة ومعاملة دنيوية ، بسبب المودة فيها أم لغاية استبقائها أو حصولها ، وهذه سنة بئيسة في الجماعات التي لا تأخذ الطقوس العبادية مأخذ الجد العقيدي ، وإنما هي مصلحية الحفاظ على صالح الحياة الدنيا دون ان تملك وراءها حقا صالحا للإتباع.
ولأنها «مودة الحياة الدنيا» وخلتها (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٤٣ : ٦٧) ـ «ثم» بعد مضي الحياة الدنيا (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، فالآلهة تكفر بعبادتهم : (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (١٩ : ٨٢) (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) (٣٥ : ١٤).
والمتبوعون : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) (٢ : ١٦٦).