بالله ، وهكذا كان لوط (عليه السلام) مؤمنا بالله ، وبعد أن تعرّف إلى الرسالة القمة لإبراهيم الخليل آمن له احتسابا لنفسه بإيمانه السابق من ذلك الموكب الرسالي السامي ، كما (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ) (١٠ : ٨٣) بعد ما ربطوا ايمانهم هذا بأن يرووا الله جهرة : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣ : ٥٦).
فقد كانوا مؤمنين بالله غير مؤمنين لرسول الله موسى ، ولا مصدقين في الطور ان الله هو الذي يكلمه حتى يروه جهرة يكلمه فحصل ما حصل.
وهذه الذرية هي المؤمنة من قبل بالله ، وهنا آمنوا لموسى أن انضموا إلى موكبه الرسالي ، وهنا تنحل المشكلة العضال في ايمان لوط ، أن كيف أرسل مع إبراهيم وكان مشركا من ذي قبل؟ فانما أرسل معه بعد ما آمن معه وكان مؤمنا بالله!
«وقال» علّه لوط (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) مهاجرك ، أم إنه ابراهيم نفسه كما في أخرى : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٣٧ : ٩٩) ولأن كل رسول مهاجر إلى ربه في رسالته بل وكل مؤمن ، فقد تعني «فقال» لوطا وابراهيم ، ولكنه مهاجر مع ابراهيم كما آمن معه ، مهاجرة بمعيته كرسالته معه دونما انفصالية في ذلك المثلث البارع ، ايمانا ورسالة ومهاجرة إلى ربه في سبيل تحقيق الإيمان الرسالي والرسالة الإيمانية ، وعلى حد المروي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «سيهاجر خيار أهل الأرض هجرة بعد هجرة إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام» (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٤٤ ـ اخرج ابن عساكر عن ابن عمران النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : ...