تقابل الهدى فهي ظلام البصيرة ، والمتاه في الغواية ، والهدى بصيرة مختارة ، يتركون هذه إلى تلك باختيار دون جنّة ولا إجبار ، فان ذلك أخف على الإنسان ، وأشد ملائمة للطباع من تحمل مشاق النظر والتلجيج في غمار الفكر (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)(١٨).
إيمان بقلب ثم اتقاء من جرّاءه بالقالب ، حيث الإيمان المجرد لا ينجي إلّا أن يظهر في الإنسان ككل من ظاهره وخافيه ، وعنده النجاة عن صاعقة العذاب الهون.
(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٢٠).
هنا شهادة الأعضاء عدلا وحقا إلى جنب ما هناك وهنالك من شهادة الأرض بفضائها ، وشهادة النبيين والكرام الكاتبين ، وليكون عدو الله غارقا في يمّ الشهادات عينية وذهنية أماهيه من شهادات قاطعة قاصعة لا محيد عنها ولا محيص! وليراجع للتعرف الى كلّ لموضعه من الفرقان بطيات آياته المفسرات (١).
الحشر إلى النار هو الجمع إليها ، والإيزاع هو الإكفاف والإحباس ، أن
__________________
(١) فصلنا البحث حول شهادة الذات والأعضاء في سورة الإسراء والنور ، وفي شهادة الأرض والفضاء في الزلزال وفي الشهادة ككل في الجاثية ولقد استوفينا البحث حول الشهادة عند آياتها وبمناسباتها ، ويأتي حديث الامام الصادق (عليه السلام) حول أن هذه الشهادة بعد شهادة الملائكة وعرض أعمالهم وتكذيبهم للكل فيختم على أفواههم عند الآية : «وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا».