هذه الهداية هي العامة بارائة طريق الهدى عن الردى ، فإذا استحبوا العمى على الهدى فهم إذا في ضلال قاصد بعناد زائد (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) وعلّه في بعدي القلب والقالب ، (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٦٩ : ٦) وهي الصيحة : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) (١١ : ٦٨) وبالرجفة الطاغية : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (٧ : ٧٧) وثالوث الصيحة الرجفة الصاعقة هي من عذاب الهون (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).
وقد تعني «فهديناهم» واقع الهدى بعد آية الناقة ، ثم ردّتهم بعد ردح قليل منها ، وترى إذا يستحب الإنسان عماه على هداه فهل هو مايز هداه عن عماه؟ أو على علم يستحب المكروه على المحبوب؟ وليس هكذا اي حيوان ، بل أية حشرة فضلا عن إنسان ، اللهم إلّا ذو جنّه فاقد عقله وتمييزه ، إذا فلما ذا صاعقة العذاب الهون ، للمجنون!
ولكن إذا كانت الفطرة الإنسانية وعقليتها مقياس الاستحباب فلا يستحب الإنسان إلّا هداه ، فالذي «(أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (١٨ : ٢٨) هذا يستحب هواه على هداه ، أم ليست هداه إلّا هواه (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) إذا (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) وهم يعرفون» (١) ولأن العمى هنا
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٥٤٢ ح ٢٢ في كتاب التوحيد باسناده الى حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : عرّفناهم فاستحبوا ..
وفي اعتقادات الامامية للصدوق وقال الصادق (عليه السلام) في الآية : قال وجوب الطاعة وتحريم المعاصي وهم يعرفون.