عليهما وعلى لسانك أمّاذا كان عليك أن تمنع بها! أم تسمع وتبصر ما لا محيد عن حرمته بمنع وسواه ، فشهادة منهما ـ فقط ـ عليها ، فيما اقترفا من حرام!
ولكنما الجوارح الأخرى من ألسنة وأيد وأرجل أمّاذا فلا رقابة لها على غيرها ، بل هي شاهدة ـ فقط ـ على أنفسها شهادة ذاتية ولا سواها ، فإنما هي كآلات مباشرة لما عصت ، لا تعدوها إلى سواها فيما افتعلت.
فللسمع والبصر والفؤاد اختصاصها من هذه الجهة ، وللألسنة والأيدي والأرجل أهميتها من أخرى ، وقد يجمعها كلها «جلودهم» فإنها جلود الأرواح : الأبدان ، فتشمل الجوارح كلها كما (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) فلا تعني ـ فقط ـ القشور حيث النضج والشهادة تعم الأعضاء.
إذا ف (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ) تعني مثلث الشهادة ومزدوجها ، ثم «وجلودهم» تعني شهادة واحدة. ولأن الشهادة على شيء تتطلب تحمّل الشهادة من قبل وإلّا فلا شهادة ، فلتكن الأعضاء متحملة لأصوات الأقوال وصور الأعمال حتى تلقي ما تحملت وتؤدّي ما حمّلت ، إذا فهي مسجّلات الأقوال وشاشات تحمل صور الأفعال ، وهكذا تشهد عليهم (سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أن يظهر على كلّ ما يناسبه من شهادة عينية هي الحجة القاطعة والبينة القاصعة القارعة على المكلفين ، حيث «صارت الأجساد شحبة بعد بضتها والعظام نخرة بعد قوتها ، والأرواح مرتهنة بثقل أعبائها ، موقنة بغيب أنباءها ، لا تستزاد من صالح عملها ، ولا تستعتب من شيء زللها» (١).
__________________
(١) نهج البلاغة عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام).