وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً ..) (٥ : ١٢) وهذه معية مشروطة لا تعمّ الجميع! .. أو معية النصرة في الحرب : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) (٤٧ : ٣٥) وليس الكل محاربين ، ولا مؤمنين أقوياء صامدين في الحرب حتى يستحقوا النصر!. أو معية الحفظ عن العدو الضاري وهو على الدرب : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) (٩ : ٤) ولا يستحقها المؤمنون كلهم فكيف بسواهم! كلا.
وإنما معيّات عامة تشمل ـ على أقل تقدير ـ المخاطبين من الجنة والناس أجمعين ، من معية علمية فهو أعلم بهم من أنفسهم : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) (٤ : ١٠٨) ومعية القدرة القيومية و (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) (١١ : ٥٦) والمعية الخالقية ، إذ الخلق لا يستغني عن الخالق بعد خلقه ، فهو كما كان وأحوج مما كان ، استبقاء لما أوتي : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ، ومعية الشهادة على الأعمال أم ماذا : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٤١ : ٥٣).
ومعية الحفاظ على العباد : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (١٣ : ١١) وما إليها من معيات إلهيات كما تليق بذاته وصفاته المقدسة ، دون معية زمانية أو مكانية ، بمداناة أو حلول أم ماذا! فقد «كان لم يزل بلا زمان ولا مكان وهو الآن كما كان ، لا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان» (١) ، فمعنى كونه في كل مكان مع كل إنس وجان ، هو معية العلم والقدرة والخالقية والحفاظ على الخليقة.
__________________
(١) اصول الكافي بإسناده عن الامام الكاظم موسى بن جعفر (ع) قال : إن الله تبارك وتعالى كان ... ولا يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ، ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه ، احتجب بغير حجاب محجوب واستتر بغير ستر مستور ، «لا إله إلا هو الكبير المتعال».