ومن ثم معها معيات خاصة للخصوص من عباد الله الذين يعيشون مع الله : معية الوحي والإلهام ، والتوفيق المستدام ، والنصرة على الأعداء والحفاظ الخاص ، ومعية القرب والزلفى قدر ما يكون العبد مع الله! وإنها لحقيقة مذهلة ومؤنسة ، حقيقة أن تؤخذ بعين العبرة والادكار ، مذهلة بروعة الجلال تمنع شاعريها عن التورّط في الضلال ، ومؤنسة برحمة الظلال ، رضوانا وقربى الى حضرة ذي الجلال ، فيا لها من إسعاف عن كل فتك وإسفاف ، وإيناس عن كل وحدة سفساف! فإيمان بالله ، وعلى المروي عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : «من أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله تعالى معه حيث كان» (١).
ومن فروع هذه المعية الشاملة : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، ومن ثم المعية الملكية المالكية : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
وبطبيعة الحال ترجع امور الملك والرعية الى الملك ، فالأمور كل الأمور راجعة الى الله في الاولى والاخرى ، من امور التكوين وتدبيره ، وأمور التشريع وتقديره ، الأمور : الأفعال والأشياء ـ ومنها الأشخاص ـ والأوامر (٢) (إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) (١١ : ١٢٣) ، (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٨ : ٧٠) ترجع اليه كما منه بدأت : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٢ : ١٥٦).
(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) :
(لَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٢٣ : ٨٠) : اختلاف بينهما بالنور والظلام ، وكون أحدهما خلف الآخر بنسق ثابت ، واختلافهما زمنا حسب اختلاف الفصول وأجزائها ، فكما الله هو الخالق لهما ، ومرتبهما ، كذلك هو الذي
__________________
(١). الدر المنثور ٦ : ١٧١ ـ أخرجه ابن مردويه والبيهقي عن عبادة بن الصامت عنه (ص).
(٢) فالأمور هنا جمع الأمر بمعانيه : الشيء ـ الفعل ـ الأمر مقابل النهي ، أو بوجه عام : الحكم.