ويا لها من رحمة وكرامة ربانية أن يعدنا أجرا كبيرا لو أنفقنا مما استخلفنا فيه على عياله! والخلق عيال الله ، فأحب الخلق عند الله أحبهم لعيال الله.
وليس الإنفاق دون شريطة الإيمان مأمورا به ولا مرغوبا فيه ، بل هو مرغوب عنه ، كمن يمن أو يؤذي أو يرائي الناس : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٢ : ٢٦٤).
وإنما الإنفاق المندفع عن الإيمان ، فلا لون له إلا ابتغاء رضوان الله ، دون ألوان الغايات والتجارات وسائر المكاسب غير الإلهية ، فالإنفاق المنطلق عن الإيمان رحمة شاملة تشمل ذوي الاستحقاق كلهم ، قرباء وغرباء ، ضعفاء وأقوياء ، من يرجى خيره ومن لا يرجى ، كل ذلك على حد سواء : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٢ : ٢٦٢) كما وأن لغة الإنفاق توحي بذلك فإنه الإفناء ، ومن يبتغي أجره في الدنيا من أهلها ، ماديا أو معنويا ، انه ليس بمنفق ، إنما هو تاجر ، فقد يكون فاجرا في تجارته كمن ينفق في سبيل الطاغوت ، أو يمن ويؤذي المحتاج ، أو يرائي الناس ، أم ماذا ، وقد يكون صالحا كسائر التجار ، وإنما الأجر الكبير للمنفق في سبيل الله لا سواه.
وترى من هم المخاطبون ب «آمنوا»؟ أهم المؤمنون؟ فكيف يؤمرون بتحصيل الحاصل! أم الكافرون بالله وبالرسالات؟ فمن أين يعرفون أن هذا أمر من الله؟ وهم ناكرون له غير مصدقين بوحيه! ثم ومن لا يؤمن بدليل العقل فكيف يؤمن بمجرد النقل؟!.
نقول أولا هم المؤمنون ، وقد أمروا هنا كما في غيرها بمزيد الإيمان : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (٤ : ١٣٦) والإنفاق في سبيل الله بحاجة إلى إيمان عريق ، دون الإيمان الذي يصانع الشرك أحيانا : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ