إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٢ : ١٠٦) فللإيمان عقيديا وعمليا مراقي ودرجات لا بد أن يتدرج إليها بمساعي ومحاولات دائبة.
ثم وماذا عليه لو خص بالكافرين أو شملهم ، إذ يأمرهم بالإيمان بعد استعراض دلائل الإيمان وملزماته ، فلهم أن يعرفوا وحي القرآن ببيناته ، ومنه أمرهم بالإيمان ، فطالما البينات تقنعهم للإيمان ، فهنا يأمرهم بحقيقة الإيمان ، إذ لا يكفي الإيمان البدائي لمثل الإنفاق في سبيل الله ، إذا فالخطاب يشمل الناس أجمعين مؤمنين وكافرين! ومن ثم يندد بالكافرين منهم:
(وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) :
فالتنديد هنا بسلب الإيمان وليس بنقصانه ، ف «ما لكم» ما داؤكم؟ وما دواؤكم؟ فلو (لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ)؟ ودوافع الإيمان تحيط بكم؟ من دعوة رسولية تملك من كافة البينات المخرجات من الظلمات الى النور (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) ومن استجابة الفطرة للميثاق المأخوذ عليها من الله (وَقَدْ أَخَذَ) الله (مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) : بالدعوتين : برسول الفطرة التي فطر الناس عليها ، وبرسول الله الذي يدعوكم بإقامة وجوهكم إليها : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ... ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٣٠) ثم وقليل هؤلاء الذين يعلمون فيؤمنون ، ثم قليل المؤمنون العالمون الذين يعملون.
فمن يحترم عقله ، ويؤمن بفطرته الإنسانية ، عليه أن يصغى لمن يوقظ فطرته ، ويذكره مهمته في دوره الانساني السامي ، فليستجب دعوة الرسول الداعي الى دعوة الفطرة ، و (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)!.
إنه ليست دعوات الرسل بالتي تجانب وتنافر دعوة الفطرة ، وإنما تجانسها