وترى متى يضاعفه الله له وله أجر كريم ، كأحرى الأوقات الوفيات؟ ..
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
(يَوْمَ تَرَى) أيها الناظر البصير ، وبالأحرى أيها الرسول البشير النذير! (تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) فما هذا النور الخاص بالجهتين ، الذي لا يتخطى صاحبه إلى سواه فيضطر المظلم أن يلتمسه في مناه : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً)؟.
انه ليس نورا يبصر ومن خارج ذواتهم «نورهم» لا (نور) أو (نور سواهم) وإنما نور البصيرة الذي أخرجهم الله اليه ، من ظلمات الهوى إلى نور المعرفة والهدى ، نور أشرق في تلكم الأرواح المستجيبة لدعوة الله ، نور يحصل بالسعي دون فوضى ، ومن ثم هو يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوم الاخرى جزاء وفاقا (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) نور يخرج صاحبه من الخزي هناك كما أخرجه من سائر الظلمات هنا ، ثم يتممه الله هناك كما يشاء ويرضى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) (٦٦ : ٨) (١). نور يلتمس سعيا في الحياة الدنيا ، ومع اختصاصها بأصحابها قد يشفعون من يليق بها أن ينظروا إليهم في الاخرى : (.. انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً).
إن سائر الأنوار لا تختص بأصحابها ، فقد تغتصب أو يستفاد منها دون علم أو رضى أصحابها ، يستنير منها الصديق والعدو ، والمؤمن والكافر ، وأما ذلك النور فمثله كنور البصر ، لا يبصر إلا لصاحبه قدر سعيه ، صادرا منه وواردا اليه ، اللهم إلا شفاعة مرضية ، فهو برهان ربّاني : (قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ
__________________
(١). راجع سورة التحريم ج ٢٨ ـ الفرقان.