مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) (٤ : ١٧٤) وهو إيمان ناتج عن ذلك البرهان : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (٣٩ : ٢٢) وهو العمل الصالح الناتج عن الإيمان. ومن ثم هو نور الفرقان الناتج عن خالص الإيمان : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٨ : ٢٩) : مربع النور : (نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)!.
ترى ولماذا (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) دون سائر الجهات الأربع أو الست؟ ... لأن هذا النور غير سائر النور ، نور البصيرة وليس البصر ، وإن كان يهدي ـ فيما يهدي ـ البصر. ولأن طريق الجنة يمنة ووجاه ، وطريق النار يسرة ووراء ، وكما عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : (بينا أنا على حوضي انادي هلم ، إذ أناس أخذتهم ذات الشمال فاختلجوا دوني ، فأنادي ألا هلم فيقال : انك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول سحقا) (١). فلا نور لأصحاب الشمال لا وجاها ولا يمنة ، وإنما تأخذهم النار من ورائهم وذات الشمال.
وقد تختص (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) بالسابقين المقرّبين ، الذين هم وجه بلا قفا ولا أية جهة اخرى إلا وجه الله ، ومن ثم يتوجهون اليه ، ويتجهون إلى رحمته ورضوانه ، و (بِأَيْمانِهِمْ) لأصحاب اليمين الذين هم وجه من وجه ، وإذا اتجهوا عن الأمام فإلى اليمين ، فانه الدين ، وإن كان أدنى من المقربين.
أو ان قسم الإيمان والعمل الصالح والفرقان تكون بالأيمان ، فان المؤمن يؤتى كتابه بيمينه ، وقسم الهداية تكون بين الأيدي ومنه الهداة إلى الله ، وقد توحي له (بَيْنَ (٢) أَيْدِيهِمْ) نفسها فانه النور المفصول عن ذواتهم بين الأيدي ، وهم الهداة خارج الذوات ، و (بِأَيْمانِهِمْ) لا عن أو من أيمانهم ، فانه النور الذاتي اللامع بالأيمان ، فهو الإيمان والعمل الصالح والفرقان الناتج عنهما (٢).
وأما الشمال ووراء الظهر فلأصحاب الشمال إذ يؤتون كتابهم فيهما ، ثم لا إمام لهم أمامهم إلا الأئمة الذين يدعون الى النار ، جهنم يصلونها وبئس القرار.
__________________
(١). تفسير روح البيان لإسماعيل حقي البروسي ج ٩ ص ٣٥٩ ـ ٣٦٠.
(٢) الخصال للصدوق بإسناده الى أبي خالد الكابلي قال قال أبو جعفر (ع) في قوله : ـ