(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) :
فما هي المصيبة المعنية هنا؟ وما هو الكتاب؟ وما هو الرباط بين ترك الأسى والفرح وبين المصيبة المكتوبة؟ :
المصيبة هي النائبة النازلة التي تصيب دون خطأ ، الرامية المصيبة الهدف ، وهي الرحمة المصيبة أهلها ، من الصّوب : نزول المطر ، فهي تجمع إصابة الحسنة والسيئة : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (٤ : ٧٩).
وهذه الإصابات كل بإذن الله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٦٤ : ١١) و (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٧٨ : ٤) ولكنما الحسنة من الله كما هي من عند الله ، والسيئة من نفسك وان كانت بإذن الله ومن عند الله ، فالله أولى منا بحسناتنا ، ونحن أولى منه بسيئاتنا.
وإصابة السيئات قد تكون لأهلها بما كسبت أيديهم : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٤٢ : ٣٠) إصابة بذنوبهم : (أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) (٧ : ١٠٠) : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٣٠ : ٤١).
وإذا تصيب المصيبة السوء غير أهلها ، فقد تكون امتهانا لهم بما لم ينهوا وسكتوا ورضوا ، كالتاركين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فهم قد تصيبهم ما تصيب أهل السوء من إصابات السوء ، وقد تكون امتحانا وتكفيرا عن سيئات كما لأصحاب اليمين ، أو تكون ترفيعا لدرجات كما للسابقين المقربين ، وكل ذلك تشمله آيتنا هذه ، وآيات الكسب تخص غيرهم ممن لهم يد في السوء