و (برسلنا) هنا لا تعم الرسل أجمع ، وإلا خرج عنهم نوح وابراهيم من قبل ، والمسيح ومحمد (ص) من بعد ، وإنما هم من بين نوح وابراهيم والمسيح ، مع التصريح بهؤلاء الثلاثة والتلميح أخيرا بمحمد (ص) : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) : من المؤمنين بالمسيح ، فالإيمان الثاني هو الايمان بالنبي المبشر به في الإنجيل محمد (ص) ، كما ويصرح به وبكتابه في آية تجاوبها : (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ، وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ... لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ...) (٥ : ٤٨).
فلا تعني تقفية هؤلاء الرسل بالمسيح : (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) لا هنا ولا هناك انه خاتم المرسلين ، وإنما كتقفية لكل سابق بلاحقه ، ومعظمه هنا تقفية الرسل الاسرائيليين بخاتمهم السيد المسيح ، ومن ثم يقفى بالرسول الاسماعيلي الذي هو بكتابه مهيمن على الكتب والرسل أجمعين.
فمن الهراء القولة الفارغة ان المسيح المقفى به الرسل هو خاتم المرسلين ، خلافا للتلويح هنا والتصريح هناك ان محمدا هو الخاتم لا سواه (١).
ولماذا لم يذكر موسى عليه السلام بعدهما وقبل المسيح عليه السلام وهو من الخمسة أولي العزم؟ علّه لأن المقام ليس مقام تعديدهم ، ولذلك لم يذكر أيضا سيدهم وخاتمهم محمدا صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا تلويحا. والعناية بذكر المسيح بعد الأولين ليس إلا لاستعراض
__________________
(١) حاول الكاتب المسيحي (الحداد) في كتابه (القرآن دعوة نصرانية) إثبات ان المسيح خاتم النبيين بهذه الآية ، بان الرسل يشمل الكل ، فلما قفوا بالمسيح فهو آخرهم وهو زور هراء كما بيننا.