(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) :
ان شجرة النبوة الواحدة الباسقة ، تمتد من فجرها وجذرها الأول الأصيل :
(نوح) وإلى ابراهيم وموسى وعيسى ، وتنتهي إلى خاتم النبيين محمد (ص) وبين هؤلاء الأصول فروع متشابكة غير متشاكسة ، تنبت من تلكم الأصول ، ذرية بعضها من بعض (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) وفي مقدمتهم النبيون الذرية (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) فليست النبوة للذرية لأنهم ذرية وارثة ، فالنبوة لا تعرف الذرية ولا تورث ، وإنما انتجاب من بين الذرية (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) لا أن كلهم أنبياء ذووا الكتاب.
(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) :
«ثم قفينا» التقفية هي جعل شيء إثر آخر استمرارا فيه بما كان ، فالرسل بعد نوح وابراهيم الى عيسى بن مريم ، بعضهم استمرار بعض : كل لاحق لسابقه في رسالة واحدة مهما كانت حملتها كثرة ، كقوافي الشعر المتلائمة التي تشد بعضها بعضا بالاقتفاء.
و (عَلى آثارِهِمْ) مما يؤكد هذه التقفية الاقتداء ، وليس اقتداء رسول برسول مما يجعل المقتدي أدنى من المقتدى به وهو أعلى من المقتدي ، ف (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) (٢ : ١٢٠) لا هدى النبيين ، إلا حملا لها أمانة وتبليغا بها ، وكما أمر سيد المرسلين أن يقتدي بهداهم : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) (٦ : ٩٠).