والمخاطبون أن يؤمنوا ثانيا بهذا الرسول هم المؤمنون من أهل الكتاب وسواهم ، وعد كلا كفلين من رحمته ، فالأولون إذ كانوا مؤمنين من قبل ثم استجدوا الإيمان به فلهم أجران (١) والآخرون إذ آمنوا أولا ثم ازدادوا إيمانا فلهم كفلان ، ومن ثم فمن لم يؤمن من أهل الكتاب تجاهلا وعنادا فلا كفل له ولا أجر وإنما وزر على وزر ، وإذا كان جهلا قاصرا فله أجر ، كمن آمن بالرسول من غيرهم ثم لم يستجد الإيمان فله كفل ، والمشركون وسواهم الذين لم يؤمنوا أولا وأخيرا فعليهم وزر (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ).
وعلّ هذه الآية الشاملة لفريقي المؤمنين تأمين للمسلمين منهم إذ فزعوا من أجر الآخرين مرتين : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (٢٨ : ٥٥).
فلما نزلت هذه الآية قالوا يا معاشر المسلمين! أما من آمن منا بكتابكم فله أجران ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم فأنزل الله هذه الآية : الكفلين (٢).
إذا فالمحور الأصيل فيها هم المؤمنون من غير الكتابيين كما ويدل عليه : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ ...) فإنهم بحجة آية الأجرين علموا تفوقهم على المؤمنين لو آمنوا ، ومساواتهم لو بقوا ، فلا يقدر المسلمون على شيء من فضل الله!.
__________________
(١) الجمع عن النبي (ص) في حديث : وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد (ص) فله أجران.
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٧٩ أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس ، وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان.