«ان الرهبانية لم تكتب علينا» (١) «وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام» (٢) حتى ولا حالة التقية ، دونما حاجة الى صومعة أو دير ، ويروى أن نفرا من الصحابة أخذهم الخوف والخشية حتى أراد بعضهم أن يعتزل عن النساء ، وبعضهم الإقامة في رؤوس الجبال ، وبعضهم ترك الأكل والشرب فنهاهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عنها وقال : «لا رهبانية في الإسلام» ، وقال : «رهبانية امتي في المسجد» ، وان كنت ولا بد ، فكن في الناس ـ إذا ـ ولا تكن معهم ، وآخر المطاف أن تهاجر بدينك الى بلد يحملك أو تتحمله ، أو القتل أخيرا في سبيل الله ، فإن الحياة عقيدة وجهاد.
فبدعة الرهبانية فلتة بين البدع ، إذ ليست في النار «وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» فإنهم حفاظا على إيمانهم لم يجدوا بدا من هذه البدعة ، وقد احتفت بجعل إلهي لرهب الرهبنة من قبل مع المودة والرحمة في قلوبهم ، وبكتابتها كرهبنة حقيقية بعد ما ابتدعوها : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ... ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ).
ومن ثم المؤمنون أجمع سواء المسلمون وسواهم كالذين اتبعوا المسيح ، هم يؤمرون أن يؤمنوا بالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تكملة الإيمان بالرسالة ، أو الإيمان بها :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :
هنا يبرز الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم بشموخ الرسالة كأنه الرسول لا سواه: (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) وان الرسل قبله قد هيأوا ظروف رسالته العالمية الختمية دون أن يستقلوا بجنبه في شيء ، اللهم إلا رسالة للتعريف به وتعبيد المسالك لوصوله ، كالصفوف التكميلية المهيأة لقمة الثقافة!.
__________________
(١) سنن الدارمي نكاح ٣.
(٢) أحمد بن حنبل ٦ : ٢٢٦.