وكما عرفناه ، لا يكفل الكفلان إلا لمن زاد إيمانا على إيمان ، أيا كان وإنما بحساب وميزان ، وأجران لمؤمني أهل الكتاب ، ثم ولهم كفلان لو زادوا إيمانا على إيمان :
(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) :
فآية أجرهم مرتين علمتهم أن المؤمنين من غيرهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ، ومنهم من زعموا أنهم كأهل الكتاب لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي يؤتاه المسلمون ، وآخرون ـ وهم كثير ـ تعصبوا كأن الجنة خاصة بهم : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (٢ : ١١١) أو أن النبوة خاصة بآل إسرائيل كأنها محتكرة فيهم ، وآية الكفلين هدمت هذا المربع المزعوم بأضلاعه وتبنت صرحا عاليا بكفلين أعلى من الأجرين ، اللهم إلا إذا تحول أصحاب الأجرين الى حالة الكفلين ، أو تحول أصحاب الكفلين الى حالة الأجرين أو أدنى ، فلكل أجره وكفله (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
هكذا يحكم الله في آية الكفلين (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ) : هم أو المسلمون (عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) فالمسلمون قادرون على فضل الله وأحرى ، كما هم قادرون ، دون اختصاص ولا حكرة لفضل الله بقوم خاص ، وإنها القدرة بالإيمان والعمل كما يشاء الله ويرضى ، لا القدرة بالأمنية والأمل كما يهوون ، اللهم إلا الرسالة الالهية التي لا يقدر عليها أحد إلا صفاء هي كظرف للاصطفاء.
(لِئَلَّا يَعْلَمَ ...) حال : (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) تكوينا وتشريعا ، لا بأيديهم كما يهوون ، ولا بأيدي الفوضي (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) لا من يشاءون ، وبميزانه العدل لا كما يزعمون.