(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ).
المحادة هي الممانعة ، والكبت : رد بعنف وتذليل ، وهذا المقطع صورة من صور الحرب والنكاية للذين يحادون الله ورسوله : يأخذون لأنفسهم مواقف وحدود مستقلة وجاه حدود الله ، في التكوين وفي التشريع ، واقفين عند حدّهم ـ حسب زعمهم ـ لحدود الله ، يتعدونها في تبجح وغرور ، فيختلقون أحكامهم المنكرة الزور ، كمن كانوا يظاهرون من نسائهم ، انهم (كُبِتُوا) :
ردوا بعنف وتذليل ، عن حدودهم الى حدود الله ، كما ردّ الذين من قبلهم من حماقى الطغيان ، وهذه الآيات البينات تكفي بيانا لحدود الله (وَلِلْكافِرِينَ) بها (عَذابٌ مُهِينٌ) كما أهانوا الله في محادتهم. ان المحادين لهم كبت في الدنيا ، وعذاب مهين فيها وفي الآخرة :
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
(فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) كما عملوا ، فيسمعهم ما قالوا ، ويريهم ما عملوا (أَحْصاهُ اللهُ) : في الشهداء من أنفسهم وأعضائهم وأرضهم وفي نفوس الملائكة الكرام الكاتبين والنبيين ، أحصاه : تلقيا منهم وإلقاء ، رغم أنهم (نَسُوهُ) (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ): حاضر علما في تلقيها ، وحاضر علما في إلقائها ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، فليطمئن بحضوره وشهوده المؤمنون ، وليحذر من حضوره وشهوده الكافرون.
لا فحسب أنه شهيد على كل شيء ، فإن له علما شاملا بالكون كله ، فإلى صورة حية منه تمس أوتار القلوب :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى