إن الغلب والنصر هنا وهناك للمرسلين والمؤمنين ليس في الشهوات والمغريات ، وإنما في بلاغ الرسالات وتطبيقها ، مهما كانت التضحيات في هذه السبيل الشائكة المزدحمة بالعرقلات.
ففكرة الإله منتصرة في كافة الميادين ، بعساكر الفلسفات العقلية والعلوم التجريبية ، تتقدم على تقدمها قدما الى الأمام ، مهما حاول الملحدون إطفاء نور الله ، ومع صراعهم الطويل ، فإن العقيدة في الله ظلت هي السائدة المسيطرة الثابتة ، رغم أن الإلحاد الى زوال مؤكد مهما أبرق وعربد ، فالبشرية تهتدي كل يوم الى أدلة جديدة تهدي : ان الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل.
ورسل الله والمؤمنون الحقيقيون لا يقفون لحد في تضحياتهم بمبدئهم المجيد :
(إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) : نحن من أهل الجنة قاتلين ومقتولين ، وأعدائنا من أهل النار قاتلين ومقتولين ، فثباتهم على الدفاع لا يتقيد بقيد الحفاظ على النفس والنفيس ، دون حزب الشيطان ، فإن مهمتهم التي يعملون لها ويأملونها ، هي الدنيا برغباتها وشهواتها ، فلو أشرفوا على خطورة أو مهلكة انهزموا مدبرين ، أو استسلموا أذلة وآمنوا مقبلين ، كما تشهد بذلك غزوات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بما أدت اليه من الفتح المبين ، رغم كونها سجالا ، لكنها ما انتهت إلا الى تقدم المسلمين وغلبهم ، إلا فيما ضعف الإيمان ، فامتحان بامتهان الهزيمة لكي يجدد دور الإيمان ، إذا فهم الأعلون : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣ : ١٣٩) فلم تقف الفتوحات الاسلامية ولا تفرقت جموع المسلمين أيادي سبأ إلا نتيجة ضعف الايمان ، ولا يزال ، إلا أن يستحكموا عرى الإيمان والوحدة الاسلامية فهم الأعلون وأعدائهم هم الأذلون.
فليس حرمان المؤمنين عن ملذات الحياة ، وزجهم في السجون ، وتسفيرهم وتقتيلهم والتنكيل بهم ، ليست هذه العقبات الشائكة الصعبة الملتوية ، ذلّا لهم وغلبا لأعدائهم ، وإنما هي صورة اخرى لانتصار الايمان في معركته مع الكفر ،