(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) :
يستغفر ربه لو جعل فتنة للكافرين كما جعل في فتنته لآزر في استغفاره ، فسنادا الى عزته تعالى يسأله الخروج عن الفتنة ، وإلى حكمته المغفرة لو افتتن ، فيا لهذه العبودية الخالصة من سمّو وعلوّ! ومع ذلك كله تستثنى هذه الفتنة المغفورة ، غير العامدة ، عن اسوته : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ ..) فيا للرسالة الإسلامية من نزاهة تفوق الرسالة الإبراهيمية! إذ لا ترضى من الأسوة إلا الحسنة علما وواقعا ، لا السيئة ـ ولم تكن في إبراهيم ـ ولا بينهما : حسنة في ظنه ، سيئة معذورة كما فعله إبراهيم ، إنما حسنة خالصة :
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) :
فيا لها من تربية رابية على الابراهيمية الحنيفة ، تختص الأمة الإسلامية ، إذ تستخلص لهم خالص التربيات عبر الرسالات كلها ، كما ان رسالتها خالصة الرسالات كلها ، أو انها الرسالة الإلهية وحدها ، وما سواها إنما تحضّر لها وتهيئ كبذرات لإنماءاتها (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) أن يلاقيه في الدنيا والآخرة معرفيا ورضوانا (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وهو آخر المطاف وغايته ، (وَمَنْ يَتَوَلَّ) عن هذه الرسالة ، فيتولى مناوئيها ممن يتربصون له ويترصدون (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) : غني عن إيمانكم ، وهو يحمد على أية حال ، توليتم له أو توليتم عنه ، سواء ، ولكنه لا يرضى لعباده الكفر (١).
__________________
(١) من صحاح الأحاديث القدسية : «يا عبادي! انكم لن تبلغوا ضرري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي! لو ان أولكم وآخركم وإنكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي! لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي! لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما ـ