لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (٩ : ١١٤).
فليس وعد الاستغفار في آيته ، إلا نتيجة احتمال الاهتداء المشيرة إليه آية الاعتذار : (عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) : موعدة آزر التي وعدها ابراهيم بقوله :
(وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) لا التي وعدها ابراهيم آزر بدافع القرابة فإنها محظورة قطعا كما في آيتي الاعتذار والاستغفار.
فالمحرم قطعا هو الاستغفار ووعده للمشركين من بعد ما تبين انهم أصحاب الجحيم ، ولا يتبين هكذا إلا ممن ثبت عداءه للحق بعد ما جاءه كمن صرح بهم القرآن ومن تثبتنا عليه ذلك ولا نحتمل هداه.
وأما المشرك المرجو هدايته ، كآزر في ظن ابراهيم ، إذ أمره بهجره مليا ، الملهم لتروّيه فيه ، فقد يجوز الاستغفار له قبل هدايته ، وكما فعل ابراهيم.
وإذ لم يكن في استغفاره لآزر محظور ، فلما ذا الاستثناء فيه عن أسوة ابراهيم؟ علّه رعاية الواقع ، فإن آزر كان عدوا لله لا يستحق الاستغفار ، مهما أخطأ ابراهيم في ظنه وكان معذورا ، ولم يكن استغفاره محظورا ، فالأسوة تشمل حق العلم والواقع ، وحاشا الله أن يأمرنا بأسوة تخالف الواقع ، مهما كان صاحبها معذورا ظنّ الواقع ، ولكنها محظور حسب الواقع.
ابراهيم يعد أباه الاستغفار مشفّعا له بأنه لا يملك من الله إلا الافتقار : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) : لا قبول الاستغفار ، ولا أن تأهل الاستغفار ، إنما دعاء معه رجاء : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) تسليم لله بلا حدود ، وتسلّم لأمره بلا قيود ، سمة إيمانية بارزة في ابراهيم طول حياته ، ولأنه يحتمل مكيدة أبيه في ملامح وعده من هجره الملي ، يلوذ بربه أن ينجيه :