كثيرة الفروع وارفة الظلال غرسها شيخ النبيين ابراهيم الخليل عليه السّلام مهما سبقه البعض ممن لحقه كالرسول الأقدس محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم!
(إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) براءة بريئة عن كل شين ورين ، صامدة في وجه القرابات الكافرة ، قاطعة وشائجها مهما تشجرت واستطالت وحتى الأبوة والعمومة ، لحد الكفر بهم ونكرانهم كأن لا قرابة (كَفَرْنا بِكُمْ) كفر البراءة (١) والنكران والمفاصلة ، لا كفر الايمان ، إذ ما كانوا مؤمنين بهم مسبقا حتى يكفروا بهم عن إيمانهم لا حقا ، (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) فالإيمان هنا هو نهاية العداء وبداية الولاء ، فإذا آمنوا زال هناك كفران : كفرهم بالله ، وكفر المؤمنين بهم براءة وعداء.
(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ..) قاله قبل أن يتبين له انه عدو لله ، لا تحتمل هداه ، إذ أمره بهجره مليا : «قال أراغب أنت عن آلهتي يا ابراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا» (١٩ : ٤٦) هنا يستلهم ابراهيم من هجره مليا : مدة طويلة ، لا دائما ، انه يتروى في أمره فيها ، فقد تجوز هدايته ، لذلك يسلم عليه ويعده الاستغفار : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (١٩ : ٤٨) فوعد الاستغفار مربوط باحتمال الاهتداء ، فلما طال الأمد وظن ابراهيم انه اهتدى حقق وعده : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) استغفر له وهو بعد حي ظن انه اهتدى ، أو سوف يهتدي ، وكان فيما مضى من الضالين المعاندين ، ولما تبين له انه عدو لله تبرء منه كما في آية الاعتذار حيث تفسر آية الاستغفار : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا
__________________
(١) اصول الكافي بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز وجل ، قال (ع) : الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه (إلى أن قال) والوجه الخامس من الكفر كفر البرائة وذلك قول الله عز وجل يحكي قول ابراهيم (كَفَرْنا بِكُمْ ..).