وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) :
الأسوة كالقدوة ، هي الحالة التي يكون عليها الإنسان في اتباع غيره ، إن حسنا أو قبيحا ، ولذلك تقيد هنا وأشباهه ب «حسنة».
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ(١) كَثِيراً) (٣٣ : ٢١) فالأسوة الحسنة في الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تعمّ أحواله وأفعاله وأقواله ، وهي أشمل وأكمل من الأسوة بإبراهيم ، وإنما أمرنا هنا باسوة حسنة في إبراهيم بما كان منه في آزر (عمه أو جده لأمه) ، ولم يكن هكذا للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأسوة إبراهيم ـ هذه الخاصة ـ تخصص بغير قوله لأبيه :
(لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) ربي ، وأسوة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تلكم الشاملة نافذة المفعول دون استثناء ، فأين أسوة من أسوة؟! (قَدْ كانَتْ لَكُمْ ..) توحي بأن هذه الاسوة لها كينونة عريقة مسبقة في المؤمنين ، حسب التشريع الإسلامي ، وكما هي شريطة الإيمان دوما وخريطة مستملكات الإيمان كذلك : «التولي في الله ـ التبري في الله» وشيجته مشيجة بقلوب المؤمنين.
(فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) : الإبراهيميون في هذه السنة السنية ، سواء أكانوا معه في عصره ، أم بعده بعصور ، وإلى زمننا ، وإلى يوم الدين ، فإن النص (وَالَّذِينَ مَعَهُ) مما يوحي بالمعية غير المتقيدة بزمان ولا مكان ، لا «والذين كانوا معه» لكي يختص بالغابرين ، وبهذا المعنى يكون محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون الذين معه ابراهيميين ، مهما سبقه الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذه السنّة حقها ومظاهرها ، فإن المعية لها درجات ، قد يكون المعطوف أقوى من المعطوف عليه ، كما ان آية الاسوة في محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم. الشاملة ، تشهد ـ بقرنها بآية الاسوة في ابراهيم الخاصة المقيدة ـ تشهد له بهذه الأفضلية ، إنها شجرة ضخمة باسقة عميقة الجذور