فالهداية الاولى : دلالة الطريق ـ أوجبها الله على نفسه عدلا ، والثانية : إيصال الطريق فضلا ، فهذه تستوجب الدعاء دون الاولى الحاصلة دون دعاء.
(وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) :
آية بينة عديمة النظير في القرآن من حيث البشارة الصريحة التي تحملها عن السيد المسيح عليه السّلام ، تؤيدها عشرات من آيات البشارات العامة في القرآن ، وفي سائر كتابات الوحي ، تنقبنا عنها في مؤلفنا الخاص بها (١).
ومما يجلب النظر في هذه الآية أنها تحصر رسالة السيد المسيح في مهمتين اثنتين أو أنهما من أهمها : تصديق التوراة ، التبشير بخاتم النبيين ، وفي الحق لم تكن الرسالة الإنجيلية مستقلة عن شريعة التوراة ، وكما يصرح في آيات أنه بعث بشريعة التوراة وزيادات أخلاقية وتحليل بعض ما حرّم على اليهود تأديبا (٢) ثم البشارة الأحمدية ـ التي يلمح لها في الإنجيل ببشارة الملكوت ـ هي المهمة الثانية ، طالما هي الاولى في الدعوات الرسالية لأنها الأساس في الرسالات الإلهية من آدم إلى السيد المسيح ومن بينهما.
وبما ان التبشير هو الاخبار السارّ ، وليس مجيء رسول بذهاب آخر بشرى سارة إلا إذا كان أفضل منه ، وشريعته أكمل من شريعته ، فآية البشارة هذه تفضل المبشّر به على المبشّر ، وكما ان «أحمد» في نص البشارة تدل على ذلك :
__________________
(١) رسول الإسلام في الكتب السماوية وهو يضم تسعة وخمسين بشارة من الكتب السماوية بصورة المناظرة مع علماء أهل الكتاب ، ولقد بشر فيها ب : «أحمد ـ محمد ـ بمئد مئد ـ قدوس» كما ذكر مولده وصفاته ودعوته وسائر ميزاته.
(٢) راجع سورة الجن في الآية «إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى».