المناوئين ضد رجالات الله ، وفي هذه التذكارات تسلية لخاطر النبي الأقدس محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه ليس وحده يؤذى بين المرسلين ، وثانية بما يزيغ الله قلوب الزائغين ، ثم في آية البشارة التالية يبشره أنه مبشر به من قبل السيد المسيح ، ويخبره بكيد الفاسقين المتخلفين عنها ، ذاكرا فيها رسالة عيسى التي هي امتداد لرسالة موسى ، وممهد للرسالة الأخيرة المحمدية.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ..) : فقد آذوه ألوان الأذيات (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) وأذية رسول الله هي أذية لله ، وهي تستجر اللعنة في الدنيا كإزاغة القلوب ، وفي الآخرة بألوان العذاب : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٣٣ : ٥٧).
(فَلَمَّا زاغُوا) : مالوا وانحرفوا عن حق الطاعة ، وانجرفوا إلى باطل العصيان ، (أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) : ان ترك هدايتهم ، إذ أبعدهم عن جنابه وخلاهم وما يختارون ، ووكلهم إلى أنفسهم ، كما ويجاوبه ذيل الآية كتعليل للإزاغة : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) : فالذي يفسق عن أمر ربه ، ويزيغ بعناد وعتاد عن طاعته ، انه لا يستحق الهداية الإلهية ، التي هي جزاء لقبول الهداية واستقبال الهداة ، اللهم إلا تسييرا للهداية وهو مذموم ، كما التسيير للضلالة مذموم.
فإذ ينسب الله الإزاغة بعد الزيغ إلى نفسه ، لا يعني منها الدفع إلى ضلال اكثر ، وإنما ترك التوفيق والهداية الثانوية ، فانها خاصة بالمهتدين : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١٨ : ١٣).
وإذ يسترجي الراسخون في العلم أن لا يزيغ الله قلوبهم : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) (٣ : ٨) فالمعني منه : أدم لنا ألطافك وعصمك لتدوم قلوبنا على الاستقامة ، ولا تزيغ عن مناهج الطاعة ، دعاء مستجاب للمؤمنين بفضل الله ورحمته وكما وعدهم (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وكان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : «ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا».