وكما الله يحب هكذا مقاتلين ، فإنه كذلك يبغض غيرهم ، ممن لا يقاتل هكذا في ظروفها الموجبة ، بين من يترك القتال الواجب ، أو يقاتل في غير سبيل الله ، أو في سبيل غير الله ، أو يقاتل في سبيله منعزلا عن صف كبنيان مرصوص ، كالهجمات والمدافعات الفوضى ، دون نظام وقيادة ، اللهم في الدفاع الفردي ، دون الجماهيري ، فمنذ اليوم الأول قام مجتمع إسلامي ذو قيادة مفترضة الطاعة هي قيادة الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبل أن تقوم دولة الإسلام في المدينة المنورة ، فتلك القيادة الجزئية الصغيرة الحجم ظاهرا ، كانت حجر الأساس للدولة الإسلامية في المدينة وعلى طول الخط.
والقرآن ـ دائما ـ يبني أولا أفرادا ، كما لمسناه من الآيتين الأوليين ، أن يكونوا مؤمنين صادقين غير منافقين ، وأن تكون حياتهم تسبيحات لله ، ثم يتبنى هؤلاء ـ كلبنات لبناء هيكل الإسلام ـ يتبناهم جماعة موحدة مسلمة رزينة رصينة متراصة ، فطالما الشر عارم ، والباطل متبجح ، والشيطان يقود ، من ثم يتعين على حملة الإيمان وحرّاسه أن يكونوا نبهاء أقوياء ليغلبوا عملاء الشيطان ، ولكي يقاتلوا في سبيل الله وحده ، فيما لا سبيل للحراس على كيانهم إلا القتال وحده ، فالله سبحانه وتعالى لا يتشهّى القتال ، ولا يشهّي المؤمنين ـ فيه ، وإنما يفرضه فيما يحتمه الواقع ، ولدافع مدقع ، حفاظا على الكرامة ، وحسما لمواد الفساد التي لا يحسمها إلا القتال ، ممن يقاتلون في سبيل الله (صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) : بنيان تتعاون لبناته ، وتتضامّ متماسكة ، تؤدي كل لبنة دورها وتسد ثغرتها ، ولكي يسدوا ثغور الإسلام عن هجمات الكافرين.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) :
(وَإِذْ قالَ ..) علّها عطف على أذى الرسول من بعض المؤمنين ، وهم الذين يقولون ما لا يفعلون ، أم وعلى سائر الأذى طوال تاريخ الرسالات من قبل