محمد واثني عشر إماما من عترته كما في التوراة (١).
وهل تتقدم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة في الأهمية ، أو في واقع التربية؟ اختلاف الترتيب بينهما في الآيتين يوحي بعدم التقدم وهو الحق ، فإنهما معا يتساوران متعاونين في التربية الإسلامية ، دون أن تكون لكلّ مدرسة على حدة ، فالتزكية التي لا تحمل التعليم جاهلة دنسة ، والتعليم الذي لا يحمل التزكية جاهل دنس ، فرب عالم لا عقل له ، فالإسلام لا يريد علما بلا تزكّ ولا تقوى بلا علم ، فليس بإمكان المسلم أن يحلّق على المثل العليا إلا بجناحي العلم الحكيم والتقوى ، وكل منهما يساند الآخر ، كلما ازداد العلم والحكمة بآيات الله ازداد التزكي كالعكس تماما.
ثم التلاوة لا تعني القراءة اللفظية فحسب ، فإنها من الرسول المعلم المزكي قول بليغ في الأنفس : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (٤ : ٦٣) ولا يبلغ القول الأنفس إلا إذا خرج من حاق النفس ، مازجا فطرة القائل وفكرته وعقله وأعماله ، وهذه هي التلاوة حقا ، وكما هي لغويا : المتابعة : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها ، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) تلاها : تبعها ، فالرسول يتلو القرآن اتباعا له في كافة المجالات ، ويتلوه عليهم كما تلاه هو في نفسه ، اتّباعا له ، واتباعا لهم ، وهكذا تلاوة له عليهم تجعلهم علماء حلماء حكماء أزكياء ، إضافة إلى ما يعلّمهم ويزكيهم.
ثم تعليم الكتاب ـ القرآن ـ له درجات ، لفظيا وتعبيريا وفي إشاراته ولطائفه وحقائقه ، على حد قول الإمام علي عليه السّلام : (كتاب الله على أربعة أشياء على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق ، فالعبارة للعوام ، والإشارة للخواص ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء) فقرينة الإشارة التي هي بعد
__________________
(١) سفر التكوين الفصل ١٧ ـ الآية ٢٠ ـ تجده بالنص العبراني في تفسير دعاء ابراهيم في البقرة.