أن وجه الله هكذا يبقى ، وسائره يبطل ويفنى ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ثم الوجه الجسداني ليس ذا الجلال ولا الإكرام ، لأنه ذليل فان كسائر الأعضاء ، ومهان دان كسائر من عليها!.
وإنما «وجه ربك» جهة الربوبية ووجهتها ، الظاهرة في المربوبين الربانيين ، الباهرة في أولياء الله المكرمين ، فإنها باقية ببقاء الله وهم عند الله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) (٧ : ٢٠٦) فالذين هم عند الله ، وليسوا عند أنفسهم ورغباتهم ، وإنما عند ربك ، تحت ظله وفي رعايته ، إنهم باقون قدر ما هم عند ربك ، وفانون قدر ما هم عند أنفسهم : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (١٦ : ٩٦) (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٤٢ : ٣٦) (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) (٧٣ : ٢٠).
فهنا آيتا الفناء والهلاك تتجاوبان ، أن الفناء لمن عليها : ضمير تأنيث تضمر الكائنات كل الكائنات إلا وجه ربك ، والهلاك يشمل كل شيء إلا وجهه : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فلا باقي إلا وجه الله : ذاته بربوبيته : الكائنة من ذاته ، والكامنة في البعض من مخلوقاته ، ربوبية رحيمية روحانية ، الذين يتوجه بهم إلى الله ، وتتواجد فيهم مرضات الله وتربياته ، لا ذاته وصفاته! فهم ـ إذا ـ «أنبياءه وحججه الذين بهم يتوجه إلى الله عز وجل وإلى دينه ومعرفته» (١)
__________________
(١) عيون أخبار الرضا (ع) في باب ما جاء عن الرضا (ع) يسأل عن الخبر الذي رووه : ان ثواب لا إله إلا الله النظر الى وجه الله تعالى؟ فقال : من وصف الله عز وجل بوجه كالوجوه فقد كفر ، ولكن وجه الله أنبياءه ... وقال الله عز وجل (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) وقال عز وجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فالنظر الى أنبياء الله تعالى ورسله وحججه (ع) في درجاتهم ثواب عظيم للمؤمنين يوم القيامة ، وقد قال النبي (ص): «من أبغض أهل بيتي وعترتي لم يرني ولم أره يوم القيامة» ، وفي تفسير القمي عن علي بن الحسين (ع) «نحن الوجه الذي يؤتى الله منه».