و «إذا أفنى الله الأشياء ، أفنى الصور والهجاء ، لا ينقطع ولا يزال من لم يزل عالما» (١) : بالله ، عائشا مع الله : (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) (٣٩ : ٦٨) فهم ممن شاء الله بقاءهم ، ولم يرض فناءهم لأنهم منه! ف «إنما يهلك من ليس منه».
فليس الفناء ـ إذا ـ مستقبلا : يوم القيامة ، بل (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) في أي زمان أو مكان وبأي كيان ، منذ الخلق حتى الفناء ويوم الإحياء مرة اخرى لأنهم ليسوا منه ، (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) : ما يتوجه به إلى الله : ذوات قديسة ربانية ، فهم باقون ، لأنهم منه ، وهم عند الله (وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ)!.
وفي وجهه تعالى وجوه عدة ، معروفة من قرائنها المقرونة بها : من الوجهة سمتا للاتجاه : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٢ : ٢٧٢) ومن وجه الربوبية كما هنا ، والوجه هو ما يواجه به الشيء ويواجه به الشيء ، فإذا أصبح المتوجه إلى الله ، يواجه معرفته ومرضاته بكيانه كله ، أصبح كله وجها لله ، وواجهه الله بخاصة رحماته ومكرماته ، وجها بوجه ، فكما أنه أصبح وجها لله ، يكون الله له وجها يواجهه برحمته وحنانه.
ووجه الرب هذا ، هو ذو الجلال ، لأنه من ذي الجلال ، وهو ذو الإكرام ، فانه تعالى يكرم المتوجهين اليه ، العائشين مرضاته ، فبقاء وجه الرب من أعظم آلاءه ، وفناء سائر الوجوه على بعض الوجوه كذلك من آلاءه ، ان كان فناء الكون ، أو فناء الكيان ، بقصر أو باختيار ، فلو لا الفناء الموت لم تعرف قيمة الحياة ، ولازداد الطائشون طيشا ، ولو لا الفناء في الله لم يكن بقاء بالله ، ولو لا
__________________
(١) الاحتجاج للطبرسي عن أمير المؤمنين (ع) حديث طويل وفيه : وأما قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فالمراد : كل شيء هالك إلا دينه ، لأن من المحال أن يهلك الله كل شيء ويبقى الوجه ، هو أجل وأعظم من ذلك ، وإنما يهلك من ليس منه ، ألا ترى أنه قال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) ففصل بين خلقه ووجهه.