ولنرجع (١) إلى حديث الوهم. فنقول : إن من الواجب أن يبحث الباحث ويتأمل أن الوهم الذي لم يصحبه العقل حال توهمه كيف ينال المعانى التي هى فى المحسوسات عند ما ينال الحس صورتها من غير أن يكون شىء من تلك المعانى يحس ومن غير أن يكون كثير (٢) منها مما ينفع ويضر فى تلك الحال. فنقول : إن ذلك للوهم من وجوه : من ذلك (٣) الالهامات الفائضة على الكل من الرحمة الإلهية ، مثل حال الطفل ساعة يولد فى تعلقه بالثدى ، ومثل حال الطفل إذا أقل (٤) وأقيم فكاد يسقط من مبادرته إلى أن يتعلق بمستمسك لغريزة فى النفس (٥) جعلها فيه الإلهام الإلهى ، وإذا تعرض لحدقته بالقذى بادر فأطبق جفنيه (٦) قبل فهم ما يعرض له وما ينبغى أن يفعل بحسبه كأنه غريزة لنفسه لا اختيار معه وكذلك للحيوانات (٧) إلهامات غريزية ، والسبب فى ذلك مناسبات موجودة بين هذه الأنفس ومبادئها هى دائمة لا تنقطع (٨) غير المناسبات التي يتفق أن تكون مرة وأن لا تكون ، كاستكمال العقل وكخاطر (٩) الصواب ، فإن الأمور كلها من هناك. وهذه الإلهامات يقف بها الوهم على المعانى المخالطة للمحسوسات فيما يضر وينفع ، فيكون الذئب تحذره كل شاة وإن لم تره قط ولا أصابتها منه نكبة ، وتحذر الأسد حيوانات كثيرة ، وجوارح الطير يحذرها سائر الطير وتشنع عليها الطير الضعاف من غير تجربة ؛ فهذا قسم.
وقسم آخر يكون لشىء كالتجربة ، وذلك أن الحيوان إذا أصابه ألم أو لذة أو وصل إليه نافع حسى أو ضار حسى مقارنا لصورة حسية ، فارتسم فى المصورة صورة الشىء وصورة (١٠) ما يقارنه ، وارتسم فى الذكر معنى النسبة بينهما والحكم فيها (١١) فإن الذكر لذاته ولجبلته (١٢) ينال ذلك. فإذا لاح للمتخيلة تلك الصورة من خارج
__________________
(١) ولنرجع : ونرجع د ، ك.
(٢) ومن غير أن يكون كثير ... الحال : ساقطة من د.
(٣) من ذلك : منها م.
(٤) أقل : أقبل م.
(٥) بمستمسك لغريزة فى النفس : ويعتصم لشىء لغريزة د.
(٦) جفنية : جفنه ف ، ك ؛ ساقطة من د.
(٧) للحيوانات : للحيوان د ، م.
(٨) لا تنقطع : لا تقطع ك.
(٩) وكخاطر : وخاطر م.
(١٠) الشيء وصورة : ساقطة من د.
(١١) فيها : فيهما ك ؛ بينهما م
(١٢) ولجبلته : وبجبلته ك.