بنصفين خط من المشرق إلى المغرب وهو المسمى خط الاستواء. فإذا وقفت في هذا الخط واستقبلت المشرق ، فما يبقى عن يمينك فهو الجنوب ، وما عن يسارك فهو الشمال ، وما بعد خط الاستواء لجهة الجنوب كله أو جله خلاء لإفراط الحر وقلة ميل الشمس فيها عن سمت الرؤوس ، وإنما العمارة فيها بعد خط الاستواء لجهة الشمال ، والمعمور في هذه الجهة ، أربع وستون درجة من خط الاستواء ، والباقي منها خلاء لا عمارة فيه لشدة البرد والجمود.
فالمعمور إذن من هذا المنكشف من الأرض مقدار ربعه. وهذا المعمور هو الذي قسمه الحكماء أقساما سبعة وسموا كل منها إقليما (١) ، فهي المراد بالأقاليم السبعة. وهذه الأقسام متساوية في العرض ، مختلفة في الطول لأن طولها من المغرب إلى المشرق ، وعرضها من الجنوب إلى الشمال. فالإقليم الأول أطول مما بعده ، وكذا الثاني إلى السابع ، فهو أقصرها على ما اقتضاه انقسام نصف الدائرة. فمبدأ الإقليم الأول عرضا خط الاستواء ، ذاهبا في العرض إلى جهة الشمال. وطوله من المغرب إلى المشرق ، فهو مار مع خط الاستواء من المغرب إلى المشرق ، يحده من جهة الجنوب خط الاستواء ، ومن جهة الشمال الإقليم الثاني. ومبدأ الثاني عرضا من حيث انتهى الأول ، وطوله أيضا من المغرب إلى المشرق. فيحد من جهة الإقليم الأول ، ومن جهة الشمال الإقليم الثالث ؛ وهكذا فالأول أطولها والأخير أقصرها ، لأن أطول خط في الدائرة هو نصفها ، وقد أسلفنا أن خط الاستواء يقسمها بنصفين. ثم قسموا كل إقليم من هذه الأقاليم في طوله من المغرب إلى المشرق بعشرة أجزاء متساوية ، فلذالك تسمعهم يقولون أن الموضع الفلاني في الجزء الرابع أو الخامس مثلا من الإقليم الأول أو الثاني الخ ...
فابتداء هذا البحر الصغير من الخليج المذكور وهو الجزء [ ](٢) من الإقليم الرابع ، وانتهاؤه في آخر الجزء الرابع من الإقليم الرابع أيضا على ألف فرسخ (٣) ومائة وستين
__________________
(١) انظر الهامش أعلاه في الصفحة السابقة.
(٢) ترك الصفار فراغا أبيض في مخطوطته ، ربما لعدم معرفته بالمرتبة التي كان يحتلها ذلك الجزء من الإقليم الرابع ، خاصة وأن ابن خلدون لم يذكر شيئا عن تلك النقطة في المقدمة.
(٣) «الفرسخ» أصل الكلمة من الفارسية «فرسنك» (farsang). وتعنى المسافة التى يمكن أن يقطعها الإنسان مشيا مدة ساعة. ويذكر ابن خلدون أن «الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع» ، أي حوالي