ترفعنا الأمواج طورا وتخفضنا أخرى مع سكون الرياح واعتدال الهواء. وبقرب المسافة تزاد البشرى ، وقد كنا على وجل من هوله المبين ، إذ كان ركوبنا فيه في شهر دجنبير (١). فسلمنا الله من كيده وإن أصاب بعضنا نصيب من ميده. وفي اليوم الخامس ، بدا منه بعض اضطراب يسير ، وقد أشرفنا على غلف ليون (٢) الذي مجازه في غالب الأوقات صعب عسير. وكان للمركب بشيء من الفحم حاجة ومسيس ، فاقتضى ذاك دخولنا لمرسى بور بندر التي هي أول مراسي الفرنسيس. فأرسينا فيها ظهر يوم الأربعاء (٣) ، فسكن الفؤاد وزال الدهش ، ورجع لكل واحد منا نشاطه وزال ميده وانتعش.
وهي مرسى صغيرة ، لاكنها لإتقانها وإحكام صنعتها وحسن مداخلها وبناء شواطئها تلحق أو تفوق الكبيرة. ليس فيها رياح ولا تمويج ، فيصير المركب في داخلها كأنه في وسط صهريج ، يبقى سائرا حتى يلتصق بالشاطئ ، ويربط حباله في أخراص (٤) غليظة من الحديد ، مسمرة في الحجارة العظيمة التي بني بها الشاطئ المذكور. وعلى باب هذه المرسى أبراج للمدافع وفنارات عظيمة عالية على جبال هنالك تضيء بالليل ليهتدى بها إلى المرسى. وعلى هذه المرسى قرية صغيرة تسمى بالاسم المتقدم ، وإليها تنسب المرسى. فيها ديار وحوانيت على الشاطئ ، يباع فيها
__________________
(١) يتميز التقويم القمري المعمول به عند المسلمين بعدم الاستقرار ، مما جعله غير صالح لضبط مواقيت الأعمال الفلاحية. وفي المغرب كانت الشهور معروفة بأسمائها اللاتينية منذ وقت باكر ، أي منذ السنوات السابقة للفترة ما قبل الاستعمارية. وكان المغاربة يستعملون الشهور الرومانية في كلامهم اليومي الدارج ، ويسمونها بالأشهر الفلاحية. بينما خصصوا التقويم الإسلامي لضبط تواريخ المراسلات المخزنية والأعياد الدينية ، انظر :
A. Joly," Un calendrier agricol marocain" AM ٣, ٢) ٥٠٩١ (: ١٠٣ ـ ٩١٣; Dozy ١ : ٥٢٤.
(٢) ويعنى بذلك خليج الأسود (Golfe de lions) ، ولا علاقة له بمدينة ليون المعروفة الواقعة كما هو معلوم في وسط فرنسا (المعرب).
(٣) «كان النقص الحاصل في الماء والفحم ، بالإضافة إلى الرياح الشديدة ، من الأسباب التى جعلت قائد ألمركب يقرر الدخول إلى المرسى المذكورة» ، روش إلى كيزو ، بور فاندر ، ١٧ دجنبر ١٨٤٥.
(٤) أخراص وخراص في اللغة هي جريدة النخل. أما المقصود بأخراص عند الصفار هنا فهي مأخوذة من مفردها خرص أو خرصة ، وهي الحلقة التي توضع في الأذن. ويعني بها الحلقات الحديدية الدائرية الشكل التي تشد بها حبال المراكب الراسية. ٣٦٢ : ١Dozy (المعرب).