وكان كثيرا فتكون مرغوبا فيها وربما باعها بأكثر مما دفع والعكس بالعكس ، ويحل المشتري محل البائع فيما كان يأخذه من المستفاد. ويعملون مثل ذالك في بناء القناطر ، فالقناطر التي رأيناها عندهم جديدة كلها يؤدى عليها العوض في المرور. وهي من عمل التجار حتى تمضي المدة المحدودة لهم فيرفعون أيديهم ويبقى الناس يمرون عليها بلا شيء كما في القناطر القديمة. ويعملون مثل ذالك في استخراج المعادن وغير ذالك. ولا يقصر ذالك على الكبار من التجار ، بل ربما كثروا الأوراق وقللوا ما فيها من العطاء بحيث يسهل على غالب الناس شراؤها ، وكل واحد يأخذ على قدر ما دفع ولو كعشرة من ألف.
ثم انتهى بنا المسير في طريق الحديد المذكورة إلى داخل بيت كبير عالي السقف جدا داخل سور مدينة باريز فيه ينتهي سير البابور المذكور ومنه يبتدئ السير فهو مرساه ، وكان مثله في ابتدائها من مدينة أورليا. فدخلنا مدينة باريز في وسط النهار من يوم الأحد الثامن والعشرين من ذي الحجة الحرام متم عام أحد وستين مايتين وألف ، موافقا الثامن والعشرين من الشهر دجنبير ، متم عام خمسة وأربعين وثمانمائة وألف من ميلاد عيسى عليهالسلام بتاريخ الروم. فكانت مدة سفرنا من مرسيليا لباريز سبعة أيام ، ومن تطوان لباريز خمسة عشر يوما.
ولما رجعنا (١) ، نزلنا من أكداش بابور النار رجعنا لأكداش سفرنا ، وكانت لحقتنا من طريق أخرى فركبنا فيها حتى بلغنا المحل الذي أعد لنزولنا هنالك. وبقي لنا من المدن التي دخلناها مدينة طولون (٢) ، ولم نذكرها مع ما تقدم لأنها لم تكن في طريقنا وإنما سرنا إليها قصدا بعد رجوعنا من باريز. لما وصلنا إلى مدينة إكس في حال رجوعنا تركنا طريق مرسيليا وسرنا لطولون ، وطريقها صعبة وعرة فيها جبال ونبات ، والعمارة بها قليلة وغالبها أجنات دوالي العنب وأشجار الزيتون ، وبالقرب منها قليل من أشجار اللشين.
وهذه المدينة هي مأوى عساكرهم البحرية ومرسى سفنهم الحربية ، وهي صغيرة لاكنها في غاية التحصين ، لها سوران وخلف كل سور حفير عظيم واسع. وعند بابها
__________________
(١) عمد الصفار هنا إلى الحديث عن الرجوع ، حتى يكون حديثه المفصل عن باريز قائم الذات ، لأن مقام البعثة السفارية المغربية بباريز هو أهم مراحل الرحلة.
(٢) ويقابلها في الفرنسية (Toulon)