على الحفير المذكور قنطرة يجاز عليها ترفع باليل وتبسط بالنهار ، وهي دائرة بأبراج المدافع ، وليس فيها تجارة ولا كبير أسواق. إنما المقصود منها المرسى ، ومرساها كبيرة جدا في جون بين الجبال محجوبة عن الريح ، محتفة بأبراج المدافع مبنية المون والشاطئ من سائر جوانبها. وقرب المرسى براح كبير مشتمل على بيوت وخزائن فيه دار صنعة المراكب وءالاتها المسماة عندهم بالطرسنة (١) ، فيها بيوت عالية جدا كبيرة يدخل لها القرسال الكبير بتمامه حتى يكون في وسط ذالك البيت مرتفعا بدعائم من الخشب فيصلح أو ينشأ جديدا. وإخراجه من البحر عندهم بحركات حتى يخرج من الماء ويرتفع على فرش من الخشب فيرفعه حتى يدخله البيت المذكور. وبعد تمامه يخرج كذالك حتى يلقى في الماء.
ولما قدمناها أتانا كبير البحر الذي يسمونه الميرنط (٢) ، وحض عليها في الذهاب للمرسى وأن نطلع لبعض مراكبهم التي بها فأسعفناه لذالك ، فذهبنا وانتخب لنا فلائك من أحسن ما عندهم هنالك ، فركبنا فيها وسرنا حتى بلغنا لبابور قرسال فصعدنا إليه فرأينا فيه من الطبجيات والمدافع وسائر آلاتها وإقامتها ، ومن العساكر وترتيبها ووضع الأشياء في محلها ، وإسراع من به لإجابة أمر كبيرهم وطاعتهم له ، ومن الإتقان والحزم والضبط ما ينبئ عن عظيم قوتهم وحدة عقولهم وحسن إعدادهم وتدبيرهم واستعدادهم للأمور قبل أن تنزل بهم.
ومن أغرب ما وجدنا عندهم فيه أن كانوا يحلون ماء البحر حتى يصير عذبا يشرب ، وذالك بأن يطلعوه من البحر بحركات ويجعلوه في قدور على فرن وهو يغلى عليه. وانظر ما يفعلون به بعد ذالك حتى ينفصل من بزبوز (٣) آخر حلوا باردا يغني
__________________
(١) أو الترسانة ، وأيضا الترسخانة. وأصل الكلمة من العربية دار الصناعة. ومعناها الضيق هو «ورشة بناء وتجهيز المراكب الحربية». ودخلت تلك الكلمة فيما بعد في اللغات الأوربية ، فنجدها في الإيطالية أرسنال (arsenale) ، وفي الفرنسية أيضا أرسنال (arsenal) ، ثم عادت الكلمة نفسها إلى العربية لكن في شكل جديد. انظر :
Dozy ١ : ٠٢٤; EI ٢, s. v" Dar al ـ Sin a".
(٢) ومعناها بالفرنسية أميرال (amiral) ، وهي أيضا من الكلمات العربية التي عادت مجددا إلى أصلها العربي لكن في شكل آخر : Muqaddimah ٢ : ٧٣.
(٣) جمعها بزابيز ، وهو الصنبور ، وبالفرنسية روبيني (robinet) ، أو كانيل (Bozy ١ : ١٨).) cannelle ((المعرب).