وأربعين درجة وخمسين دقيقة من العرض الشمالي فهي لذالك كثيرة البرد (١). والمواضع التى خلف الجدارات الموالية لجهة الجنوب لا ترى الشمس في فصل الشتاء أبدا. على أن الشمس في هذه المدينة غريبة كل الغرابة زمن الشتاء والغيم فيها مستمر ، ولا ترى الشمس إلا يوما في الشهر.
وهذه المدينة غاصة بأهلها ، وهي بالنسبة لغيرها من بلدانهم بمنزلة يوم السوق عندنا مع الأيام التي لا سوق فيها ، فتحسب غيرها خاليا من الناس بالنسبة لها وإن كان الغير مشحونا بالناس. وسمعنا على لسان غير واحد من أهلها أن فيها مليون من الناس. ولا يستغرب حسابهم لمن فيها (٢) ، فإن كل من ولد أو مات أو قدم لها أو سافر منها يكتبونه ويزممونه ، وهدا شغل من هو متصد لذلك على الدوام ، وكذا دأب
__________________
(١) حسب ما جاء عند ابن خلدون ، تقع باريز في القسم الثاني من النطاق السادس حيث تعصب الحياة لشدة قساوته ، Muqaddimah.١ : ٩٥٢ وأكد أندري ميكل أن جل الأخبار المعروفة عند المسلمين في العصور الوسطى عن أوربا كانت تستند بصفة أساسية على محتويات كتاب الرحالة اليهودي إبراهيم بن يعقوب الذي عاش في القرن العاشر ، وضاعت مؤلفاته ، انظر :
Andre؟Miquel," L\'Europe occidentale dans la relation arabe d\'lbrahim b. Y qub) Xe s. (", Annales : Economies, Socie؟te؟s, Civilisations ١٢, ٥) Sept ـ Oct ٦٦٩١ (: ١٥٠١.
كما تكلم المسعود (المتوفى سنة ٣٤٥ / ٩٥٦) عن باريز (البويرة) فوصفها بأنها «مدينة كبيرة جدا ، [...] وأنها مقر لمملكة الفرنجة» ، انظر :
Les prairies d\'or, traduction Barbier de Meynard et Pavet de Courteille, ٣ vols.) Paris, ٤٦٨١ (, ٣ : ٧٦.
كما أن الإدريسي (القرن الثاني عشر) قد أشار هو الآخر إلى باريز (إباريز) ووصفها بأنها «مدينة ذات أهمية ، محاطة بحقول الكروم والباستين ، وتقع في جزيرة على نهر السين» ، انظر المقال الذي حرره :
Charles Pellat," La France dans la ge؟ographie d\'al ـ Idrisi", Studi maghrebini ٠١) ٨٧٩١ (: ٢٦.
وعن الإفرنج» Francs «بصفة عامة ، انظر :
Andre؟Miquel, Ge؟ographie humaine, vol. ٢, Ge؟ographie arabe et repre؟se؟ntation du monde : La terre et l\'e؟tranger, pp. ٤٥٣ ـ ٩٥٣.
(٢) حصر الطهطاوي عدد الباريزيين يومئذ في «حوالي مليون واحد من السكان» انظر تخليص ، ص. ٧٤ ؛. ١١٧.L\'or ,p.