بولاق المصرية كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز لمؤلفه رفاعة الطهطاوي الذي قضى في باريز خمس سنوات. وقد تأثر محمد الصفار إلى حد كبير بهذا الكتاب شكلا ومضمونا ، لكن دون أن يكون مجرد مقلد له. إذ تمكن الصفار بفضل اتساع آفاقه الأدبية من إثراء مؤلفه بأشياء أصيلة ، كأبيات شعرية ومقتبسات من القرآن والحديث ، وأقوال مأثورة وأمثال ونوادر ، وبغيرها من المؤشرات الدالة على مكانته العلمية والأدبية. ويخبرنا الصفار نفسه بأن إنجازه لعمله هذا قد تطلب منه شهورا عديدة.
وأمام هذه المعطيات المغرية ، لم تتردد الباحثة سوزان ميلار في اختيار مخطوطة الصفار موضوعا لأطروحة نالت بها درجة الدكتوراه من شعبة التاريخ بجامعة ميشغن الأمريكية سنة ١٩٧٦. وتطلب منها بلوغ هذا الهدف بذل جهود كبيرة ، ومواجهة العديد من الصعوبات. إذ أصبحت ملزمة بتقوية معرفتها باللغة العربية ، وبالاستئناس بقراءة الخط المغربي لتستطيع النفاذ إلى مضامين الرحلة وفهم معانيها ، حتى تنقلها إلى الإنجليزية نقلا أمينا خاليا من العيوب. وكان عليها أيضا أن تلم بأدبيات الرحلة عند الغربيين والمسلمين على السواء. هذا ، علاوة على الإحاطة بما كتبه النقاد الأدبيون والأنثربولوجيون في موضوع الرحلة بوجه عام ، مع التركيز على خصوصيات الرحلة المغربية ، حتى تضع رحلة الصفار في إطارها الصحيح. وهذا بالإضافة إلى اقتفائها آثار البعثة السفارية المغربية ، سواء أفي الأرشيف الفرنسي أم في الوثائق المغربية. وبفضل المساعدات التي تلقتها سوزان ميلار من الجانبين المغربي والأمريكي ، فقد حالفها النجاح والتوفيق في مواجهة كل الصعوبات.
غير أنها احتفظت بعملها مرقونا على أحد رفوف مكتبتها مدة قاربت عقدين من الزمن ، فظل الاطلاع على نتائجه مقتصرا على الباحثين المتخصصين. ولم يكتب له أن ينشر ليصبح رهن إشارة عموم القراء الأنكلوساكسونيين إلا في سنة ١٩٩٢ ، وذلك تحت العنوان الآتي :
Disorienting Encounters : Travels of a Moroccan Scholar in France in ٥٤٨١ ـ ٦٤٨١. The Voyage of Muhammad As ـ Saffar. Translated and Edited by Susan Gilson Miller. University of California Press, ٢٩٩١.
ومما يثير الاستغراب أيضا ، أن هذه الرحلة المهمة لم يسبق نشرها في نصها العربي الأصلي بالرغم من اكتشاف وجودها ضمن محتويات الخزانة الحسنية منذ