وفي ابتداء ذالك الميدان صفا واحدا من المصابيح ، وكلها بضوء اسبيريطوا (١) الذي يجري في القواديس. ومن عجيب أمره أنه لا ينطفئ ولو نفخت عليه بمنافخ الدنيا ، وييس بفتيلة ولا شمعة إنما هو لسان من النار يخرج من جعبة ولها طرّاشة (٢) ، إذا فتلتها انسد مجرى الجعبة فينطفئ السراج ، فإذا فتلتها بالعكس رجع كما كان ، وكل ضوء حوانيتهم وأسواقهم وسائر فناراتهم منه. ويتعاقد من يريده مع صاحبه الذي يرسله على قدر من الزمان معين كساعة أو ساعتين ، فإذا مضى ذالك الزمن انطفى السراج لأن مرسله يقطع له المادة وقتئذ ، وهو من حكمهم العجيبة.
رجع ، فإذا حضر أوان اللعب واجتمع الناس ، فتكون الستارة مرخية على ذالك الميدان ، فترتفع الستارة فتبدوا في ذالك الميدان صور عجيبة وأشكال غريبة ، فيصورون البلدان والأشجار والبراري والبحار والسماء والشمس والقمر والنجوم ، وكل ذالك رقوم ونقوش في الكواغيط ، ولكن لا يشك من رءاها أنها حقيقة. ويصورون ضوء الليل والنهار والفجر وضوء القمر تحت السحاب وغير ذالك. ولا بد أن يكون هناك جواري مزينات بأحسن الزينة وأجمل اللباس ، وعسكر وسلطان لابسي الدروع والبيضات وبيدهم الأسلحة من السيوف والرماح والمكاحل وغير ذالك. ويلعبون أربع أو خمس لعبات في الليلة ، وإذا انقضت اللعبة الأولى أرخوا الستارة المذكورة وغيروا التصوير الذي كان في المرة الأولى ، ويصورون تصويرا آخر يوافق اللعبة الثانية ، وهكذا في كل لعبة (٣).
ثم إن اللعبات عندهم محفوظة معلومة لا أنهم يخترعونها هنالك. واللعب الذي
__________________
(١) ظهرت مصابيح الإنارة المعتمدة على مادة الغاز في باريز لأول مرة في العقد الثاني من القرن التاسع عشر ، وكانت تسمى وقتئذ بيك دو كاز (bec de gaz). وتعني لفظة اسبيريطو في العامية المغربية نوعا من الكحول أو الوقود الذي يبدو ضوءه شبيها بضوء الغاز عند إيقاده.
(٢) فعل طرش ، أي أغلق. وقد كتب دوزي أنها تعني اليوم في المغرب عكس ذلك ، أي فتح : Dozy ٢. ٣٥ ، والمقصود بالطراشة هنا ، المفتاح الذي يسمح بمرور الغاز إلى المصباح فيضيء ، أو يمنع مروره فينطفىء حسب الحاجة (المعرب).
(٣) اعتقد الصفار خطأ ، ونتيجة لجهله اللغة الفرنسية وبالتالي لموضوع المسرحية وحبكتها الروائية ، أن كل مشهد جديد من المشاهد المعروضة يشكل مسرحية قائمة الذات.