يريدون أن يلعبوا به يكتبونه في النهار في الكوازيط ، ويذكرون أنهم يريدون أن يلعبوا في المحل الفلاني ، ويشهرون ذالك للناس ليقع الاعلام بذالك ومدار لعبهم على تناشد أشعارهم والتغني بلغاتهم خصوصا المتعاشقين ، فيجعلون واحدا عاشقا وأخرى معشوقته ويبرزان للميدان يتناشدان ويغنيان ، وتارة تكون المعشوقة راضية عن عاشقها مقبلة عليه وتارة تبغضه وتعرض عنه. وينشدان لكل حالة ما تقتضيه ، وهم الذين يفهمون كلام بعضهم بعضا. عندهم لذة تلك المحاورات والمناشدات أحسن من رؤية التصوير والأعاجيب ، لما تشتمل عليه محاورتهم من الرقائق والأدبيات والعلوم الغريبة والمسائل المشكلة ، والأجوبة المسكتة والنوادر المضحكة ونحو ذالك.
وإذا قصدوا في لعبهم حكاية حرب وقع مثلا ، فيصورون السلطان وجيشه وخيلهم وأسلحتهم على ما كانت عليه وقتئذ ، والبلد التي وقع الحرب عليها. وقد حضرناهم مرة يلعبون بحكاية حرب وقع بإشبيلية ، فصوروا إشبيلية وصومعتها وأبوابها ومشاهير أمكنتها ، بحيث قال من حضر ممن رءا إشبيلية هي هذه بعينها. وصوروا بل جعلوا حقيقة سلطانا وعساكره لابسين زي الوقت الذي كان فيه ذالك الحرب ، وزينوا الجواري بلباس ذالك الوقت أيضا ، وأخذوا في الحرب حتى دخلوها.
وإذا أرادوا أن يحكوا حال قسيسين مثلا إذا خلوا أخذوا في اللهو والشرب والطرب ، وإذا رأوا الناس أظهروا الخشوع والإعراض عن رؤية النساء ونحو ذالك ، فيصورون الكنيسة وسائر ما يكون فيها ، ويجعلون بعضا منهم قسيسين ويلبسون زيهم ويحضرون أواني الشراب إذا خلوا ، فإذا رأوا أحدا تركوا ذالك وأخفوه بسرعة وقاموا إلى الصلاة ، وإذا جاءتهم امرأة تتبرك بهم فلا يلتفتون إليها.
وإذا أرادوا أن يحكوا حال فرعون مع موسى عليهالسلام ، فيصدرون البحر ويجعل يتماوج كأنه حقيقة ، وينفلق حتى ينجوا منه موسى وأصحابه وينطبق على فرعون وقومه. وقد رأيناهم مرة صوروا الجنة بقصور وأشجار وأنهار ومنظر حسن ، وصوروا ملائكة يطيرون في الهواء بأجنحة بيض. وذالك بأن عمدوا إلى جوار صغار وجعلوا لهن أجنحة ، وربطوا كل واحدة بخيط رقيق لا يبصر إلا بعد التأمل ، يمسكها من أعلاها وشخص يجريه من فوق بحيث لا يظهر ، وإنما ترى كأنها تطير بجناحيها في الهواء. وصوروا أمواتا خرجوا من تحت الأرض ، وشخصا آخر ابتلعته الأرض حتى ريء بعض ذالك في الجنة. ويصورون أيضا الطوفان وسفينة نوح.