الفرنسيس ، خصوصا في باريز ، يتفقون مع صاحب الكازيطة على أن يرسل لهم كل يوم كازيطة جديدة ، ويدفعون له عددا معلوما كل عام ، أعني ثمنها. وكذالك سائر القهاوي كل يوم ترسل لهم كوازيط متعددة من عند أناس شتى. فإذا دخلها الداخل ، فأول ما يناوله الخادم الكازيطة ليطلع على ما تجدد من الأخبار ، ثم يأتيه بالقهوة ويتحافظون عليها ويرفعونها. فمن أراد علم ما وقع في غابر السنين ، فيفتش على كازيطة ذالك الوقت في القهاوي أو غيرها ، فيجد فيها ذالك.
ومن جملة ما هو مرقوم صدر الكازيطة ، أن ثمنها كذا في العام. وكنا مدة إقامتنا بباريز ، كل يوم تأتي لصاحب الدار التي كنا فيها كازيطة جديدة من أصح كوازيطهم أخبارا ، مكتوب في أولها أن ثمنها ستة عشر ريالا في العام. ويتعاقد صاحبها مع من شاء أن يبعثها له على ما شاء من الزمن قليله وكثيره ، إلا ما نقص عن شهر ، فلا يبيعها له مدة عشرين يوما مثلا. وكان يقال أن صاحب هذه الكازيطة المذكورة يطبع كل يوم نحو خمسة عشر ألف كازيطة (١) ، وكل واحدة في ورقة طولها وعرضها نحو ذراعين مكتوبة من جهتين. تجد فيها أخبار باريز وسائر بلاد الفرنسيس ، وأخبار بلاد النصارى كلها وبلاد المشرق والمغرب والبر والبحر. ويسافر منها الأعداد لسائر البلدان ، فكلما دخلت بلدا من بلدان فرنسا ، تجد فيها كازيطة باريز كما أنك تجد بباريز كوازيط الآفاق.
فبسبب ذالك لا يخفى عليهم خبر ، سواء كان داخليا أو خارجيا. وليس ما فيها كله صحيح ، بل ربما كان الكذب فيها أكثر من الصدق ، ولاكنها تتضمن أخبارا تتشوف النفس للعلم بها. ولها عندهم فوائد ، منها الاطلاع على ما تجدد من الحوادث والأخبار. ومنها أن من ظهر له رأي في أمر من الأمور ولم يكن من أهله ، فإنه يكتبه في الكازيطة ويشهر لسائر الناس حتى يطلع عليه ذووا رأيهم ، فإن كان سدادا اتبعوه وإن كان صاحبه حقيرا ، وهذا مما يستحسن كما قال الشاعر :
__________________
(١) يمكن اعتبار رقم ٠٠٠ ، ١٥ نسخة الذي أتى به الصفار هنا رقما صحيحا في حالة الكازيطة التي كانت تصل إلى محل إقامة البعثة المغربية ؛ غير أن الصحيفتين اليوميتين الباريزيتين الأكثر شعبية خلال أربعينيات القرن التاسع عشر في فرنسا هما : لابريس La Presse ولوسييكل Le Sie؟cle ، وكانتا تعرفان معا رواجا يتجاوز ٠٠٠ ، ٥٠ نسخةPinkeny ,Decisve years ,p.٠٦ ـ ـ